يا أيها المؤمنون، ما لَكُم حِينما نَدَبكم الرسولُ الى الجهاد في سبيل الله تباطَأَ بعضُكم عن الخروج، وأخلّدوا للراحة واللذة!
وكان من أسباب تثاقُلهم ما روى ابن جرير عن مجاهِد قال: اُمِروا بغزوة تبوك بعد الفتح وبعد حُنين وبعد الطائف، اُمروا بالنفير في الصيف حين اخْتُرِفَت النخل (قُطفت) وطابت الثمار، واشتهوا الظلال، وشق عليهم الخروج، فقالوا: منا الثقيلُ وذو الحاجة والشغل، والمنتشِر به أمْرُه في ذلك كله.
﴿أَرَضِيتُمْ بالحياة الدنيا مِنَ الآخرة فَمَا مَتَاعُ الحياة الدنيا فِي الآخرة إِلاَّ قَلِيلٌ﴾.
هل آثرتم لذّات الدنيا الفانية على سعادة الآخرة الكاملة، ونعيمها الدائم!؟ ما ها الذي تتمتعون به في الدنيا وما لذائذها المشوبة بالمنغّصات إلا تافهاً أمام متاع الآخرة العريض! انه لايرضى به عاقل ولن يقبله.
روى أحمد ومسلم والترمذي عن ابن مسعود قال: قال رسول الله: «ما الدنيا في الآخرة إلا كما يجعلُ إصبعَه هذه في اليمّ، فلينظْر بِمَ ترجع- واشار بالسبّابة».
﴿إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً﴾.
إن لم تستجيبوا للرسول، فتخرجُوا للجهاد يعذّبكم الله عذاباً أليما في الدنيا يهلككم به، ويستبدل بكم قوماً آخرين، يطيعونه ولا يتخلّفون عن الجهاد. إنكم لا تضرون الله بهذا التخلف شيئا.
﴿والله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.
قادر لا يُعجزه عقابكم ولا نُصره دِينه بغيركم: كما قال تعالى ﴿وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يكونوا أَمْثَالَكُم﴾ [محمد: ٣٨].
ثم بعد ذلك رغّبهم في الجهاد وبيَّن لهم أنه تعالى هو الذي ينصر نبيّه على أعداء دينه، سواء أعانوه ام لم يفعلوا، وهو سبحانه قد فعل ذلك والرسول في قلّة من العدد، والعُدوُّ في كثرة، فيكف واصحباه الآن كثيرون، والعدوُّ قليل!!.
﴿إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ الله إِذْ أَخْرَجَهُ الذين كَفَرُواْ ثَانِيَ اثنين إِذْ هُمَا فِي الغار إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ الله مَعَنَا﴾.
ان لم تنصروا رسولَ الله فإن الله كفيلٌ بذلك. فلقد أيَده ونَصره حين أجمعَ كفّرا قريش على قتله، واضطروه الى الخروج من مكة مهاجراً، وليس معه الا أبو بكر ثاني اثنين في الغار. والغارُ هو غار ثَوْر على ساعةٍ من مكة الى جهة اليَمَن. وقد مكثا فيه ثلاث ليالٍ، وبينما هما في الغار اقتفى اثرهما نفر من المشركين، فخاف ابو بكر على حياة الرسول، فقال له رسول الله: لا تحزن إن الله معنا، ولن يصلوا الينا.
روى الامام أحمد البخاري ومسلم عن أنَس قال: «حدثني ابو بكر قال: كنت مع النبي ﷺ في الغار، فنظرتُ الى أقومِ المشركين، وهم على رؤسنا فقلت: يا رسولَ الله، لو ان أحدَهم نَظَر الى قدميه لأَبصرَنا تحت قدميه. فقال: يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثُهما»
﴿فَأَنزَلَ الله سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الذين كَفَرُواْ السفلى وَكَلِمَةُ الله هِيَ العليا﴾.
عند ذلك انزل الله الطمأنينة على رسوله، وأيّده بجنوه عنده لا يعلمهم إلا هو سبحانه، انتهى الأمرُ بأن جعَلَ كلمةَ الشِرك وشوكتَهم هي السفلى، وكلمةُ الله وهي دينه، هي العليا بظهور نور الاسلام.
﴿والله عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾
والله متّصفٌ بالعِزة لا يُقهر، حكيم إذ يضع الأمورَ في مواضعِها. توقد اقتضت حكمتُه ان ينصر نبيه بعزّتهن ويُظهر دينه على جميع الأديان.
قراءات:
قرأ يعقوب «وكلمة الله» بالنصب، والباقون بالرفع.