عالم الغيب: كل ما غاب عنا علمه. والشهادة: ما نشهده ونعرفه. اذا انقلبتم اليهم: اذا رجعتم اليهم رجس: قذر يجب تجنبه.
﴿يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ﴾.
سعيتذرُ إليكم أيها المؤمنون المجاهدون هؤلاء المتخلِّفون المقصّرون، عند رجوعكم من ميدان الجهاد.
﴿قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ﴾.
قل لهم أيها الرسول: لا تعتذِروا، فإنّا لن نصدّقكم. ثم بيّن الله السببَ في عدمٍ تصديقهم فقال:
﴿قَدْ نَبَّأَنَا الله مِنْ أَخْبَارِكُمْ﴾.
فالله قد كشف حقيقةَ نفوسِكم وأوحى الى نبيّه بعض أخباركم التي تُسِرّونها في ضمائركم.
﴿وَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إلى عَالِمِ الغيب والشهادة فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾.
وسيرى اللهُ عملَكم ورسوله فيما بعد، ثم يكون مصيرُكم بعد الحياةِ الدنيا الى الله الذي يَعلم ما تكتُمون وما تُظهرون، فيُخبرك بما كنتم تعلمون، ويجازيكم عليه.
ثم أكد ما سبق من نفاهم بقوله:
﴿سَيَحْلِفُونَ بالله لَكُمْ إِذَا انقلبتم إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ﴾.
سيؤكد لكم اعتذارَهم بما يحلِفون بالله لكم من الأيمان الكاذبة بأنهم صادقون في معاذيرِهم، إذا رجعتم من سفرِكم في غزوة تبوك، لكي يُرضوكم فَتغْفلوا عن علمهم... لا تحقِّقوا لهم هذا الغرض.
﴿فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ﴾.
فاجتنِبو وامقُتوهم.
روى مقاتل أن النبيّ ﷺ قال حين قدِم المدينة «اتُجالسوهم ولا تكلّموهم، إنهم رجس» فهم في أشد درجات الخبث النفسي والكفر.
﴿وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾.
ومصيرهم إلى جهنم، عقاباً على ما اقترفوه من نفقا وكذب.
ثم ذاد في تأكيد نفاقهم فقال: «يحلِفون لكم لتَرضوا عنهم» أي إنهم سوف يحلفون لكم طمعاً في رضاكم عنهم، لتُعاملوهم معاملة المسلمين.
﴿فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِنَّ الله لاَ يرضى عَنِ القوم الفاسقين﴾.
فان خُدعتم بأيمانهم ورضيتُم عنهم، فإن هذا لا ينفعُهم، لأن الله ساخطٌ علهيم لِفسْقِهم ونفاقهم، وخروجهم على الدين.
روي عن ابن عباس ان هذه الآيات نزلت في الجدّ بن قيس بن قشير واصحابه.
من المنافقين، وكانوا ثمانين رجلاً امر النبي ﷺ المؤمنين لَمّا رجعوا الى المدينة أن لا يجالسوهم لا يكلّموهم.
وهكذا قرر الله العلاقات النهائية بين المسلمين والمنافقين، كما قررها من قبل بين المسلمين والمشركين، وبي اهل الكتاب والمسلمين، وكانت هذه السورة العظيمة هي الحكم النهائي الأخير.