لا والله ما كان لي من عذر.. فقال رسول الله: أما هذا فقد صَدق، قم حتى يقضي الله فيك، فقمت.
وكذلك فعل صاحباه فصدَقا رسول الله. وكان الثلاثة من الصحابة المرموقين فآثروا الصدق وفاء لدِيهم، وخوفا من ان يفضح الله كذبهم. وسمع النبي منهم واعلن انهم قد صدقوه، ولم يعفُ عنهم مع ذلك، بل ترك امرهم الى الله. وأمرَ المؤمنين ان لا يكلّموهم.
وينظر هؤلاء الثلاثة فإذا هم في عزلة بغيضة الى نفوسهم، السجنُ أهون منها.
يقول كعب: فبينما انا أمشي بسوق المدينة، اذا نبطيُّ من أنباط أهل الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول: من يدلّ على كعب بن مالك؟ فطفق الناس يشيرون له، حتى اذا جاءني، رفع اليَّ كتاباً من ملك غسَان، فاذا فيه: أما بعد، فإنه قد بلغني ان صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بدارٍ هوان ولا مَضْيَعة، فالحقْ بنا نُواسِك، فقلت لما قرأتها: وهذا ايضاً من البلاء، فأحرقت الكتاب.
وبعد ان مضت أربعون ليلة أرسل اليهم النبي ان يعتزلوا نساءهم. وبعد ان مضت عليهم خمسون ليلة في هذه العزلة، كان الندم قد أخذ من قلوبهم أقوى مأخذ، فأنزل الله توبته عليهم في هاتين الآيتين الكريمتين، وقد ابتهج المؤمنون كلهم لذلك، فكانوا يهنئونهم بذلك.
يقول كعب: لما بلَغني النبأ انطلقتُ الى رسول الله ﷺ فإا هو جالس في المسجد حوله المسلمون. فقام اليَّ طلحةُ بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وقالك لِتَهْنِكَ توبة الله، فلن انساها لطلحة. وقال رسول الله وهو يستنير اسنارة القمر: أبشِر يا كعب بخير يومٍ مرَّ عليك منذ ولدتْك أُمك. ثم تلا علينا الآية...
وفي هذه القصة عبرة للمؤمنين تخشع لها قلوبهم، وتفيض عبراتهم.
قراءات:
قرأ حمزة وحفص: «يزيغ» بالياء، والباقون تزيغ بالتاء.
﴿ياأيها الذين آمَنُواْ اتقوا الله وَكُونُواْ مَعَ الصادقين﴾.
يا أيها الذين آمنوا اثبُتوا على التقوى والإيمان، وكونوا في الدنيا من أهل ولايته وطاعته تكونوا في الآخرة مع الصادقين في الجنة.