بعد ان بيّن الله في الآيات السابقة أن المشركين طلبوا ان يأتي محمد بقرآن غير هذا او تبديله، لأن فيه طعناً على آلهتهم، وتسفيه آرائهم في عبادتها - نعى عليهم هنا عبادة الأصنام وبين حقارة شأنها، اذا لا تستطيع ضرا ولا نفعا، فلا يليق بالعاقل ان يعبدها من دون الله.
﴿وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ﴾.
ان هؤلاء القوم يعبدون اصناما لا تملك لهم نفعا ولا ضرا.
﴿وَيَقُولُونَ هؤلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ الله﴾.
ويقولون: ان هذه الاصنام تشفع لنا عند الله في الآخرة.
﴿قُلْ أَتُنَبِّئُونَ الله بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السماوات وَلاَ فِي الأرض﴾.
قل لهم أيها الرسول مبينّا لهم كذبهم، وافتراءهم على الله: هل تخبرون الله بشيء لا يعلم له وجوداً في السماوات ولا في الارض!؟ ما الذي تزعمون!
﴿سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾.
تنزّه ربُّنا وعلا علواً كبيرا عكن الشريك، وعما تزعمون بعبادة هؤلاء الشركاء.
قراءات:
قرأ حمزة والكسائي: «عما تشركون» بالتاء، والباقون «عما يشركون» بالياء.
﴿وَمَا كَانَ الناس إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فاختلفوا وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾.
بعد ان اقام الأدلة على فساد عبادة الاصنام - ذكر هنا ما كان عليه الناس من الوحدة في الدين، ثم ما صاروا اليه من الاختلاف والفرقة. وقد كان الناس أمةً واحدة على الفِطرة، والقطرة في أصلها كانت على التوحيد، ثم بعث الله اليهم الرسل لارشادهم وهدايتهم. فاختلفت نزعاتهم، منهم من غلب عليه الخير، ومنهم من غلب عليه الشر. وقد اقتضت مشيئة الله ان يُمهِلهم جميعا الى أجَل يستوفونه، وسبقت كلمته بذلك لحكمة يريدها، ولولا ذلك لعجَّل لهم الهلاك بسبب الخلاف الذي وقعوا فيه.
﴿وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الغيب للَّهِ فانتظروا إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ المنتظرين﴾.
ويقول هؤلاء المشركون: هلاّ أُنزل على محمد معجزةٌ غير القرآن تُقْنعنا بصدق رسالته كآيات الانبياء السابقين الين يحدّثنا عنهم!! ومعنى هذا أنهم ما زالوا غير مدركين طبيعة الرسالة المحمدية، من حيث أنها ليست معجزةً وقتية تنتهي بانتهاء جيلهم، بل معجزة دائمة وعامة تخاطب الناس جميعا جيلا بعد جيل. ولذلك اجابهم جوابا فيه الامهال والتهديد: قُل لهم ايها الرسول: إن نزول الآيات غيبٌ، ولا يعلم الغيبَ الا الله، فإن كان القرآن لا يقنعكم فانتضِروا قضاء الله بيني وبينكم في ذلك، وانا معكم من المنتظرين.
روى البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة عن النبي ﷺ انه قال:
«ما من نبي الا وقد أُعطيَ من الآيات ما مثله آمنَ عليه البشر، وانما كان الذي أُوتيتُه وحياً أوحاه الله ليّ، فأرجوا ان أكونَ اكثرَهم تابعاً يوم القيامة».


الصفحة التالية
Icon