مقرنين: مربوطين. في الاصفاد: في القيود. سرابيهم: ثيابهم. من قطران: نوع من الزيوت شديدة الاشتعال اسود اللون تدهن به الابل عندما يصيبها الجرب. تغشى وجوههم النار: تعلوها وتغطيها. هذا بلاغ للناس: كفاية في الموعظة.
﴿وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ الله مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الجبال﴾.
ولقد مكروا ودبّروا في إبطال الحق وبالرسول الكريم، وعند الله علمُ مكرهم، وان كان مكرهم من القوة والتأثير حتى لَيؤدي إلى زوال الجبال، والله تعالى محيطٌ بهم وبمكرِهم.
قراءات:
قرأ الكسائي: «لتزول» بفتح اللام الاولى، وضم اللام الاخيرة. وقرأ الباقون: «لتزول» بكسر اللام الاولى وفتح اللام الاخيرة كما هو في المصحف.
﴿فَلاَ تَحْسَبَنَّ الله مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ الله عَزِيزٌ ذُو انتقام﴾.
لا تظنَّ ايها الرسول ان الله تعالى مخلفٌ رُسُلَه ما وعدَهم به من النصر، فما لهذا المكرِ من أثر، وما يعوق تحقيقَ وعد الله لرسله بالنصر، وأخذِ هؤلاء الماكرين أخْذَ عزيز مقتدر، ان الله شديدُ الانتقام لا يدع الظالمَ يفلت، ولا يدع الماكر ينجو.
﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض والسماوات﴾.
ان الله تعالى سينتقم من هؤلاء الكفارِ يومَ القيامة يوم تتبدَّل الأرضُ والسموات. ولا ندري كيف يتم هذا، ولا طبيعةَ الأرض الجديدة وطبيعةَ السموات، وكلُّ ما بعدَ الموت شيء غير عاديّ بالنسبة إلينا واللهُ أعلمُ بذلك.
﴿وَبَرَزُواْ للَّهِ الواحد الْقَهَّارِ﴾ خرجوا من قبورهم، ووقفوا مكشوفين بارزين لا يستُرهم ساترٌ بينَ يدي الله الواحد القهار.
وبعد ان وصف نفسه بكونه القهار، بين عجز المجرمين وذلتهم فقال:
﴿وَتَرَى المجرمين يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأصفاد﴾ وهي صورة عن مَشاهدِ يوم القيامة فيها منظرٌ واقعي للمجرمين كأنك تراه، وهم يخبُّون في قُيودِهم.
﴿سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وتغشى وُجُوهَهُمْ النار﴾.
وهذا مشهد آخر لباسهم فيه من هذا الزيت القبيح، والنارُ تغشى وجوههم، وفي ذلك ما فيه من الذل والتحقير.
﴿لِيَجْزِيَ الله كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ إِنَّ الله سَرِيعُ الحساب﴾.
لقد فعل الله بهم ذلك ليؤديّ الى كل نفس جزاءَها بما فعلت، إن خيراً فخير وان شرا فشر، ان الله سريع الحساب يوم القيامة.
﴿هذا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وليعلموا أَنَّمَا هُوَ إله وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الألباب﴾.
هنا يختم الله السورة بمثل ما بدأت... بإعلانٍ لجميع البشرية في الكون أجمع.
هذا القرآن بلاغ لجميع الناس، لنُصحِهم وإنذارِ هم من عذاب الله، وليكون لديهم العلمُ الحقيقي أن الله إلهٌ واحد عِدة آلهة كما يقول المشركون، وليتذكَّر اولو العقول عظَمةَ ربهم، ويتَّعظوا فيبتعدوا عما فيه هلاكهم، ويرجعوا الى ربهم في كل احوالهم.