من صلصال: من طين يابس غير مطبوخ. من حمأ: طين اسود. مسنون: يمكمن تصويره على هيئة الانسان، وله معنى آخر وهو المتغير. الجان: الجن وهم نوع من الخلق لا نراهم. نار السموم: النار الشديدة الحرارة. سويته: اتممت خلقه. نفخت فيه من روحي: جعلت فيه الحياة.
بعد جولة طويلة في بيان تنزيل الذِكر، وتنزيلٍ الملائكة، ورجْمِ الشياطين، وتنزيلِ الماء من السماء؛ ثم ذِكر ما في هذا الكون من مشاهدَ وعجائب كالسماء والكواكب والبروج والشهُب والأرض والجبال والنبات والرياح؛ وبعد ضربِ الأمثلة على المكابرة من الكفّار المعاندين- بعد هذا كِلّه يأتي الحديثُ عن قصة البشرية وخلْقِ الإنسان والجانّ بطبيعتين مختلفتين، وقصة الهدى والضلال. وقد عُرضت هذه القصةُ في سورة البقرة، وفي سورة الأعراف، وفي كل مرة لها عَرْضٌ مخلتف وجوٌّ خاص، يلائم السياقَ ويتمشى مع الغرض المطلوب. وهنا يركز سبحانه على سِرّ التكوين في آدم، وسرّ الهدى والضلال وعوامِلهما الأصلية في كيان الانسان:
﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ﴾.
نحن في خلْقِنا للعالمين في هذه الأرض خلقنا طبيعتين: خلَقْنا الانسان من طينٍ يابس يصلصل ويصوِّت عند نقرِه. ﴿والجآن خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السموم﴾ أما عالمُ الجن فقد خلقناه من قبلِ آدم من نار السَّموم الشديدةِ الحرارة.
﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلآئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ﴾.
أذكر ايها النبي إذ قال ربُّك للملائكة إني سأخلقُ بشَراً من طينِ هذه الارض.
﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ﴾.
فإذا اكملتُ خلْقه، وشرَّفتُه على سائر المخلوقات ونفختُ فيه من روحي، (وبهذه النفخة العلوية فرَّقتُ بينه وبينّ سائر الأحياء، ومنحتُه خصائصهَ الإنسانية، حيث تصِلُه بالملأ الاعلى، وتجعلُه أهلاً للاتصال بالله) فاسجثدوا له سجودَ تحيةٍ واكرام، لا سجودَ عبادةٍ.... فإن العبادةَ لله وحده.
﴿فَسَجَدَ الملائكة كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلاَّ إِبْلِيسَ أبى أَن يَكُونَ مَعَ الساجدين﴾.
فسدوا جميعاً خاضعين لامرِ الله، الا إبليس رفض اني يسجُد واستكبر أن يكونَ مع الملائكة الآخرين.