المترفون: المنعمون المتمردون الذين لا يبالون. امرنا مترفيها: بالطاعة، ففسقوا. فدمرناها: اهلكناها. العاجلة: الدنيا. يصلاها: يدخلها ويقاسي حرها. مدحورا: مطرودا. محظورا: ممنوعا.
﴿وَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا القول فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً﴾.
الحياة لها قوانين لا تخلتف، وسنن لا تتبدل كما بين الله لنا ذلك، والله لا يأمر بالفسق والفحشاء، ولكن اذا كثر الفساد في مجتمع ما، وطغى كبراؤه بالانغماس في اللذات واتباع الشهوات، ولمن يوجد من يضع حدا لهذه الفوضى، ويضرب على ايديهم - نزل بلاء الله بهم وهلكت القرية ودمرت بمن فيها.
ويوضح هذا قراءةُ الحسن البصري: أمّرنا مترفيها، بتشديد الميم. وبذلك تكون الصورة واضحة تمام الوضوح، والناس دائما تبع للمترفين من السادة والرؤساء.
قراءات:
قرأ يعقوب: امرنا بمد الهمزة. وقرأ حسن البصري: «امرنا» بالتشديد وهي ليست من القراءات السبع المعتمدة.
﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ القرون مِن بَعْدِ نُوحٍ وكفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرَاً بَصِيراً﴾.
وقد أهلكنا أمماً كثيرة من بعد نوحٍ، بتمردهم على انبيائهم وجحودهم آيات الله، وحسبك ايها الرسول بيان ربك إعلامه بأنّ الله عالمٌ بكل شيء، وهو الخبيرُ بذنوب عبادِه البصير بها. وفي هذا تهديدٌ ووعيدٌ لمن كذّبه من قومه.
ثم قسما لله عباده قسمين: محبٍ للدنيا لا يشبع منها، ومؤمنٍ مخلص محب للآخرة:
﴿مَّن كَانَ يُرِيدُ العاجلة عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً﴾.
من كان يطلب لذات ومتاعها ويعمل لها ولا يؤمن بالآخرة عجلنا له في الدنيا ما نشاء من الغنى والسعة في العيش، وله في الآخرة جهنم يصلاها خالدا محتقراً مطرودا من رحمة ربك.
﴿وَمَنْ أَرَادَ الآخرة وسعى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً﴾.
ومن اراد بعمله الآخرة، وعمل لها وهو مؤمن بالله وجزائه فاولئك يقبلهم بالله تعالى، وينالون عنده خير الثواب.
ثم بين الله تعالى ان عطاءه لا يخطر على بالِ احد فقال:
﴿كُلاًّ نُّمِدُّ هؤلاء وهؤلاء مِنْ عَطَآءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً﴾.
ورزقُ الله وعطاؤه للناس اجمعين فكل من يعمل ويسعى يحصل على عطاء ربنا في هذه الدنيا، وما كان عطاء ربك ممنوعا من احد، مؤمنا كان او كافرا، ما داموا يعملون وينشطون في هذه الحياة.
﴿انظر كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً﴾.
ان التفاوت في هذه الحياة المعيشة ملحوظ بين الناس بحسب وسائلهم وأسبابهم ونشاطهم في الاعمال. وان تفاوتهم في الدار الآخرة درجات من تفاوتهم في الدنيا، فالآخرة هي التي تكون فيه الرفعة الحقيقية، والتفاضل الحقيقي.