بينات: ظاهرات الإعجاز. مقاما: مكانا، منزلا. نديا: مجلسا، النديّ والنادي والمنتدَى بمعنى، وكذلك الندوة. القرن: أهل كل عصر، واصبح في العرف الآن مائة عام. الأثاث: متاع البيت وفرشه وكل ما يحتاج اليه، لا واحد له. رئِيا: منظرا، ونضارة وحسنا. فليمدُد له: فليمهله. جندا: انصارا. مردّا: مرجعا وعاقبة.
بعد ان أقام الله تعالى الحجة على مشركي قريش المنكِرين للبعث بعد الفناء، أتبعه هنا بذكر شبهةٍ أخرى، حيث قال بعض زعمائهم (وهم النضر بن الحارث وأبو جهل والوليد بن المغيرة وغيرهم) عندما كانت تتلى عليهم آيات الله واضحةَ الدلالة.
﴿أَيُّ الفريقين خَيْرٌ مَّقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً﴾...
أعرضوا عنها وقالوا للمؤمنين: لستم مثلَنا حظّاً في الدنيا، فنحنُ خيرٌ منكم منزلاً ومجلسا، فكذلك سيكون حظّنا في الآخرة.
انظروا الى المؤمنين الذين حول محمد، مثل بِلال وعمّار وخَبَّاب وغيرِهم من الفقراء المعدِمين، فأيُّ الفريقَين منا ومنكم أوسعُ عيشاً وأنعم بالا!؟.
فردّ الله عليهم شُبْهَتَهم بقوله:
﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً وَرِءْياً﴾.
كان على هؤلاء المتكبّرين الجاحدين ان يتَعِظوا بمن سبقَهم، وكانوا أحسنَ منهم حظاً في الدنيا، وأكثر متاعا، فأهلكناهم بكفرهم، ولم ينفعْهم أثاثهم ورياشهم، ولم يعصِمهم شيءٌ من الله حين كتب عليهم الهلاك.
ثم أمَرَ سبحانه نبيّه الكريم ان يُجيب هؤلاء المفتخِرين بما عندهم بقوله:
﴿قُلْ مَن كَانَ فِي الضلالة فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرحمن مَدّاً....﴾.
قل ايها الرسول لهؤلاء المدّعين أنهم على الحق، وأنكم على الباطل: من كان في الضلالة والكفر أمهلَهُ اللهُ، وأملى له العُمُر، ليزدادَ طغياناً وضلالا، ثم يأخذُه أخْذَ عزيز مقتدر، إما بعذاب الدنيا، وإما بعذاب الآخرة. سيعلمون أنهم شّرٌّ مكاناً واضعفُ جُنْدا وأقلُّ ناصراً من المؤمنين. وعند ذلك يظهر من هو خيرٌ مقاما واحسنُ نَدِيّا.
اما المؤمنون بآيات الله لإإن الله تعالى يزيدهم هدى وتوفيقا، ذلك ان الطاعاتِ التي يبقى ثوابها لأهلها خير عند ربهم جزاءً، وأبقى عند الله ثواباً وعاقبة.