خلق الانسان من عَجَل: خلق الله الانسانَ عجولا، يطلب الشيء قبل أوانه، والعجلة مذمومة. لا يكفّون عن وجوههم: لا يدفعون، لا يمنعون. بغتة: فجأة. فتبهتهم: تحيرهم، تدهشهم. وهم لا ينظرون: لا يُمهلون، لا يؤخَّرون. ولا هم منا يصحبون: ولا هم منا يجارون، من الجور، ويقال في الدّعاء، صحبك الله: حفظك وأجارك، وأصحبَ الرجَلَ: حفظه، وأجاره.
﴿خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ سَأُوْرِيكُمْ آيَاتِي فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ﴾.
خلق الله الإنسانَ وفي طبيعته العجلة، فهو دائماً يستعجل الأمور لأنه طُبع على العجلة، فيريد ان يجد كل ما يجول في خاطره حاضراً. والعَجَلة مذمومة، وفي المثل: ان في العجلة الندامة، والعجلة من الشيطان. فتمهلوا أيها المشركون ولا تستعجِلوا طلب العذاب، سأُريكم آياتي الدالّةَ على صحة رسالة النبي محمدن وما ينذركم به من عذاب في الدنيا والآخرة.
وهم في كل اوقاتهم وحالاتهم مستعجلون.
﴿وَيَقُولُونَ متى هذا الوعد إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾.
فهم يسألون النبي ﷺ ومن معه من المؤمنين: متى يجيئنا هذا الوعدُ بعذاب الدنيا والآخرة الذي تَعِدوننا به ان كنتم صادقين فيما تقولون؟
لذا بيّن الله شدةَ جهلهم بما يستعجلو، وعظيمَ حماقتهم لهذا الطلب فقال:
﴿لَوْ يَعْلَمُ الذين كَفَرُواْ حِينَ لاَ يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النار وَلاَ عَن ظُهُورِهِمْ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ﴾.
لو يعلم هؤلاء الكفار ما سيكون حالُهم في النار، يوم لا يستطيعون دَفْعَ النار عن ان تلفح وجوههم وتشوي ظهورهم، ولا يجدون من ينصرهم وينقذهم - لو يعلمون كل هذا ما قالوا ذلك، ولا استعجلوا العذاب، وهذا هو الجواب وهو محذوف...
ثم بيّن أن هذا الذي يستعجلونه غيرُ معلوم ولا يأتي الا فجأة فقال:
﴿بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ﴾.
ان الساعة لا تأتي إلا بغتةً، تفاجئهم فتحيّرهم وتدهشهم، ولا يستطيعون ردَّها، او تأخيرعها، ولا هم يُمهَلون حتى يتوبوا ويعتذروا فقد فات الأوان.
ثم سلّى رسولَه الكريم على استهزائهم به فقال: ﴿وَلَقَدِ استهزىء بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بالذين سَخِرُواْ مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾.
إن ما حَدَثَ لك من استهزاء قد حدث قبلك: فحلّ بالّذين سخِروا من رسلهم العذابُ والبلاء، فلْعلموا أن مصير المستهزئين بالرسل معروف، وعاقبتَهم وخيمةٌ، وسيكون لك النصر المبين، وفي وسرة الانعام ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ على مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حتى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا﴾ [الآية: ٣٥]. وقد نصره الله وصدق وعده.
﴿قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بالليل والنهار مِنَ الرحمن بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُّعْرِضُونَ﴾.
سَلأْهُم أيها الرسول: من يحفظكم في الليل والنهار من عذابِ الرحمن إن نزل بكم؟ ان الله هو الحارص وسفتُه الرحمةُ الكبرى، بل هم عن القرآن الذي يذكّرهم بما ينفعهم، ويدفع العذاب عنهم - منصرفون.