السراب: ظاهرة ضوئية سببُها انعكاس الشعاع من الأرض عندما تشتد حرارة لاشمس فيظنه الانسان ماء يجري ويتلألأ على وجه الأرض، وما هو الا وهمٌ لا حقيقة فيه. القيعة: مكان منبسط من الأرض لا نبات فيه ويقال لها القاع ايضا. لُجّيّ: اللج معظم الماء حيث لا يدرَك قعره، وبحر لجي: عميق. يغشاه: يغطيه. لم يكد يراها: تصعب رؤيتها. صافات: باسطة اجنحتها في الهواء. المصير: المرجع.
﴿والذين كفروا أَعْمَالُهُم كَسَرَابٍ....﴾
في هاتين الآيايتنين يبين الله في مقابل ذلك النورِ المتجلِّي في السموات والأرض، المشعّ في بيوت الله والمشرِقِ في قلوب المؤمنين - مجالاً مظلما لا نور فيه، مخيفاً لا أمن فيه، ضائعاً لا خير فيه.... ذلك هو حال الذين كفروا. فَمَثَلُ اعمالهم في بطلانها وعدم جدواها كمثل السرابِ الذي يراه الظمآن في الفلاة في شدة حرارة الشمس فيسرع إليه، حتى إذا وصله لم يجد الماء الذي رجا ان يشرب منه... ﴿وَوَجَدَ الله عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ والله سَرِيعُ الحساب﴾ يعني ان كل ما عمله هذا الجاحدُ من أعمال خيرٍ تذهب هباء منثورا، وفي يوم القيامة يحاسبُه الله ويفّيه جزاءه وعقابه. فلا يستفيد من أعماله شيئاً، لأنه لم يؤمن بالله والبعث والجزاء. وكما قال تعالى: ﴿وَقَدِمْنَآ إلى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً﴾ [الفرقان: ٢٣]
﴿أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ....﴾
وهذه صورة أخرى من صور حال الكفار الجاحدين. فأعمالُ الكافرين في الدنيا كمثل السراب الذي ليس بشيء، او كهذه الظلمات في البحر العميق، تتلاطم امواجُه ويتراكم بعضها فوق بعض. ومن فوقِ ذلك كله سحابٌ كثيف مظلم لو رفع الإنسان يدَه الى وجهه لما رآها من شدة الظلام. ان قلوب الكافرين وأعمالَهم مثلُ هذه الظلمات المتراكمة تراكمت عليها الضلالات، فهي مظلمة، في صدور مظلمة، في اجساد مظلمة.
ولقد جمع الله تعالى في هذا الوصف بينَ الليل المظلم، وتراكُب الأمواج في البحر بعضها فوق بعض، ومن فوقها السحاب الكثيف.... وهذا أشدُّ ما يكون من الظلمات.
وتجمع هذه الآية الكريمة أهم ظواهر عواصف المحيطات العظيمة. وهذا من أكبرِ الأدلة على ان القرآن من عند الله، لأن الرسول الكريم لم يركب المحيطاتِ وكان يعيش في بلاد صحراوية.... فورودُ هذه الدقائق العلمية دليل على أنها وحي من عند الله.
﴿وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ الله لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ﴾
ومن لم يوفقه الله لنورِ الإيمان، فليس له نور يهديه الى الخير، ويدلّه على الصراط المستقيم.
﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السماوات والأرض والطير صَآفَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ والله عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾
ألم تعلم ايها النبي أن جميع من في هذا الكون يسبِّح بحمد الله تعالى، وان تسبيحَ كل صنف يختلف باختلاف صفاته وخصائصه، وكلٌّ يسبّح بدلالة وجوده وصورته وأحكامه على وجود المصوّر الحكيم، فالعاقل يسبّح بلسان المقال، وغيره يسبّح بلسان الحال، والطير صافات باسطةً أجنحتها في الفضاء تسبّح الله وتحمدُه بلغاتٍ لا نعملها.