ما كان لمؤمن....: لا ينبغي لمؤمن ان يختار غير ما يختار الله. الخيرة: الاختيار. مبينا: ظاهرا. الذي انعم الله عليه. هو زيد بن حارثة انعم الله عليه بالاسلام. وأنعمتَ عليه: بالعتق والحرية. الوطر: الحاجة. الحرج: المشقة. فرض الله له: قدر الله له. خلَوا: مضوا. قَدَرا مقدورا: قضاء مقضيا.
﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى الله وَرَسُولُهُ أَمْراً....﴾
ليس الاختيار بيد الانسان في كل شيء، بل هناك أمور لا اختيار لمؤمنٍ ولا لمؤمنة فيها، وهي ما حَكَمَ اللهُ فيه، فما أمر به فهو المتّبع، وما أرادَ النبيُّ ﷺ فهو الحقّ، ومن يخالفْ ما حكم به الله ورسوله ﴿فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِيناً﴾.
نزلت هذه الآية في زينبَ بنتِ جحش، ابنة عمةِ النبي ﷺ، فقد خطَبها الرسول الكريم ليزوّجها من زيد بن حارثة مولاه، فلم يقبل أخوها عبدُ الله ان تكون أختُه، وهي قرشية هاشمية، تحت عبدٍ اشترته خديجةُ ثم أعتقه الرسول الكريم.
وقد اصر الرسول ﷺ على تزويجها من زيدٍ لإزالة تلك الاعتبارات القائمة في النفوس على العصبيّات، ولهدْم تقاليد العرب القديمة.
فلما نزلت هذه الآية أذعَن عبدُ الله وأختُه زينب وقبلت ان تتزوج زيدا. ولم ينجح هذا الزواج. فقد تطاولت زينب على زوجها وجعلت تتكبر عليه، وتعيّره بأنه عبد رقيق، وهي قرشية. وآذتْه بفخرها عليه، واشتكى الى النّبي ذلك مرارا، وطلب اليه ان يأذَن له بتطليقها فكان النبي يقول له: «أمسِك عليك زوجَك» لكن زيدا لم يُطِقْ معاشرةَ زينب فطلّقها.
وبعد ذلك تزوّجها الرسول الكريم، وهي ابنةُ عمته، ولأنه يريد ان يُبطِل عادة التبنّي الذي كان معمولاً به في الجاهلية. وكل ذلك بأمرٍ من الله كما جاء في قوله تعالى: ﴿وَإِذْ تَقُولُ للذي أَنعَمَ الله عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ واتق الله وَتُخْفِي فِي نِفْسِكَ مَا الله مُبْدِيهِ وَتَخْشَى الناس والله أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ﴾.
فالذي أنعم الله عليه هو زيد، أنعم عليه بالاسلام، والذي انعمتَ يا محمد عليه هو زيدٌ أيضا، أنعمتَ عليه بالعتق من الرق وجعلته حراً. وتخفي يا محمد في نفسِك ما سيُظهره الله من ان زيدا سوف يطلق زينب وانك ستتزوجها بأمر الله. هل تخاف ان يعيّرك الناس أنك تزوّجت امرأة ابنِك (وكان يقال له زيد بن محمد) ؟ ان الله وحده هو الذي يجب ان تخشاه، فانك انت القدوة في كل ما امر الله به، وما ألقى عليك ان تبلّغه للناس، فلتكن أيضا القدوةَ فيما أبطلَ الشارعُ الحكيم من الحقوق المقررة للتبني والادعاء. وفي ذلك نزل قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا قضى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى المؤمنين حَرَجٌ في أَزْوَاجِ أَدْعِيَآئِهِمْ إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ الله مَفْعُولاً﴾.


الصفحة التالية
Icon