بغير سلطان: بغير دليل ولا حجة. ادعوني: اسألوني. داخرين: صاغرين، أذلاء. لتسكنوا فيه: لتستريحوا فيه. تؤفكون: تصرَفون عن الحق.
اعلم يا محمد ان الذين يجادلونك في دين الله بغير حجّةٍ أو برهان يعلمونه إنما يدفعهم الى ذلك ما يجدونه في صدورهم من الكيد والحسد، وعنادُهم وطمعهم في ان يغلبوك.
﴿مَّا هُم بِبَالِغِيهِ﴾
وما هم ببالغي إرادتهم، ولن يصِلوا الى ذلك ابدا.
ثم امر رسوله ان يستعيذ من هؤلاء المجادلين المستكبرين بقوله:
﴿فاستعذ بالله إِنَّهُ هُوَ السميع البصير﴾
الجأ الى الله واستعنْ به فهو السميع لاقوالهم، البصيرُ بأفعالهم.
ثم بين الله تعالى للناس وضعهم في هذا الكون الكبير، وضآلتهم بالقياس الى بعض خلْق الله حتى يعلموا حقيقتهم، فيقول:
﴿لَخَلْقُ السماوات والأرض أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ الناس ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ﴾
هذا ما يفهمه أصحاب العقول المدركة، فان إعادة خلْق الانسان أهونُ بكثير من ابتداء خلقه، ومن خلْق هذا الكونِ العجيب. ان قدرةَ اله لا تُحَدّ، فاين الانسان من هذا الكون الهائل؟.
ليس يستوي الأعمى عن الحق والبصير العارف به، ولا يستوي المؤمن العامل بإيمانه والمسيء في عقيدته وعمله، ذلك أن المؤمنين ابصروا وعرفوا فهم يحسنون التقدير، اما الأعمى بجهله فهو يسيء كل شيء. ﴿قَلِيلاً مَّا تَتَذَكَّرُونَ﴾ وما أقلّ ما تتذكرون.
وبعد أن قرر الدليل على إمكان وجود يوم القيامة والبعث، أخبر بأنه واقع لا محالة:
﴿إِنَّ الساعة لآتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يُؤْمِنُونَ﴾
فآمنوا بها أيها الناس تفوزوا، وأطيعوا ربكم اذ أمركم أن تسألوه، فانه قريب يجيب داعءكم ويعطيكم. أما الذين يتكبرون عن عبادة الخالق فجزاؤهم جهنّم يدخلونها صاغرين.
ثم شرع الله يبين بعض نعمه على الناس، وهي تُظهر عظمته تعالى، لكنهم لا يشكرون عليها فقال:
﴿الله الذي جَعَلَ لَكُمُ الليل لِتَسْكُنُواْ فِيهِ﴾
من أكبرِ النعم على الناس ان الله جعل لهم الليلَ ليستريحوا فيه من العمل، والنهارَ مضيئا ليعملوا فيه ويكسبوا رزقهم، والله هو المتفضل عليهم بالنعم التي لا تحصى.
﴿ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَشْكُرُونَ﴾ هذه النعم، ولا يعترفون بها. ﴿نَّ الإنسان لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾ الآية [إبراهيم: ٣٤].
ثم بين الله كمالَ قدرته وانه الاله الواحد فقال:
﴿ذَلِكُمُ الله رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لاَّ إله إِلاَّ هُوَ فأنى تُؤْفَكُونَ﴾
ذلكم الذي انعم عليكم بهذه النعم الجليلة هو الله خالق هذا الكون وما فيه، الاله الواحد المنفرد في الألوهية.
﴿فأنى تُؤْفَكُونَ﴾
فإلى اي جهة تُصرفون عن عبادته الى عبادة غيره!.
ثم ذكر ان هؤلاء الجاحدين ليسوا ببدعٍ في الأمم قبلهم، فقد سبقهم الى هذا جحود خلق كثير فقال:
﴿كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الذين كَانُواْ بِآيَاتِ الله يَجْحَدُونَ﴾
فكما ضلّ هؤلاء بعبادة غير الله ضل الذين قبلهم بلا دليل ولا برهان.
قراءات:
قرأ أهل الكوفة: تتذكرون بتاءَين، والباقون: يتذكرون بالياء. وقرأ ابن كثير ورويس سيدخَلون: بضم الياء وفتح الخاء. والباقون: سيدخُلون بفتح الياء وضم الخاء.


الصفحة التالية
Icon