بسط الله الرزق: وسّعه. لبغوا: لظلموا وتجاوزوا حدود الله. بقدر: بتقدير. الغيث: المطر. قنطوا: يئسوا. وينشر رحمته: تعم منافع الغيث وآثاره جميع المخلوقات. الحميد: المستحق للحمد. بث: نشر. الدابة: كل ما فيه حياة على هذه الارض. على جمعهم: يوم القيامة. بمعجِزين: لا تستطيعون ان تجعلوا الله عاجزا بالهروب منه. الجواري: السفن. كالأعلام: كالجبال. رواحد: ثابتة لا تتحرك. صبّار: كثير الصبر وضبطِ الأعصاب. شكور: كثير الشكر على النعم. يُوبِقْهُنَّ: يُهْلِكْهُنَّ. ما لهم من محيص: لا مهرب لهم.
إن الله تعالى خبير بما يُصلح عبادَه من توسيع الرزق وتضييقه، فهو لا يعطيهم كلَّ ما يطلبون من الأرزاق بل يقدّر لكلٍّ منهم ما يصلحه، فإن كثرة الرزق على الناس تجعلهم يتجبرون ويتكبرون، فالله تعالى يبسط لمن يشاءُ، ويمنع عمن يشاء. ولو أغناهم جميعا لبغَوا، ولو أفقرهم جميعا لهلكوا. ومن أسباب الرزق المطرُ وغيره، فالله وحده هو الذي يغيث الخلقَ بالمطر، وينشر بركاتِ الغيث ومنافعه في النبات والثمار والحيوان ويغذّي ينابيع المياه، وهو الذي يتولّى عباده بإحسانه ﴿وَهُوَ الولي الحميد﴾.
ثم اقام الأدلة على ألوهيته بخلقه السموات والأرض وما فيهما من الحيوان، ومَن ثبتتْ قدرتُه بإبداع هذا الكون لهو قديرٌ على جمع الناس في الوقت الذي يشاء بَعْثَهم فيه للجزاء.
ثم بين الله تعالى للناس ان هذه الحياة فيها دستورٌ ثابت لا يتغير وهو انه: كل ما يحلّ بكم ايها الناس من المصايب في الدنيا يكون بسبب معاصيكم، وما اجترمتم من آثام.
ولو نظرنا الآن الى احوالنا نحن العربَ والمسلمين وما نحن عليه من ضعف وتأخر وتفكك - لرأينا ان هذه الآية تنطبق على حالنا ومجتمعاتنا. فنحن لا ينقصنا مال ولا رجال، ولا أرض، وانما ينقصُنا صدق الايمان، واجتماع الكلمة، والعمل الصحيح لبناء مجتمع سليم، يجمع الكلمة ويوحّد الصفوف، ويوفر هذه الأموال الضائعة على شهوات بعض أفراد معدودين من متنفّذي الأمة يبذّرونها على السيارات والقصور والأثاث الفاخر وإشباع الغرائز، ويكدّسون أموال المسلمين في بنوك الأعداء.
ولو ان زكاة هذه الأموال صرفت على الدفاع عن الوطن، والاستعداد لمواجهة العدو المتربص بنا لكان فيه الكفاية. ان العمل الصالح والتنظيم والحكم الأمين يدوم ويرفع مستوى الناس حتى يعيشوا في رغد من العيش، اما الظلم والفساد والطغيان في الحكم واتباع الشهوات فانه لا يدوم، ويجعل الناس في قلق وبلبلة وشكّ وضياع كما هو واقع في مجتمعاتنا.... وهذا معنى ﴿فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾. والله سبحانه وتعالى يرحم من تاب ويعفو عن كثير من الذنوب والأخطاء، ورحمته واسعة والحمد لله.
انكم ايها الناس لا تُعجِزون الله حيثما كنتم، وما لكم من دونه وليّ يدافع عنكم، ولا نصير ينصرُكم اذا هو عاقبكم.
ومن دلائل قدرة الله هذه السفن الجارية في البحر كالجبال الشاهقة في عظمتها، فالله قادر ان يوقفَ الرياح فلا تجري.
﴿أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ﴾
أو يهلك اصحابَ السفن بذنوبهم، لكنه يعفو عن كثير فلا يعاجلُهم بالكثير من ذنوبهم.
ان الله تعالى فعلَ ذلك ليعتبر المؤمنون، ويعلم الذين يجادلون في آياتنا بالباطل أنهم في قبضته، ما لهم من مهرب من عذابه.
قراءات:
قرأ نافع وابن عامر: بما كسبت ايديكم. والباقون: فبما كسبت أيديكم. وقرأ نافع وابن عامر: ويعلمُ الذين يجادلون، برفع يعلم. والباقون: ويعلمَ بالنصب.


الصفحة التالية
Icon