براء: بريء، ولفظ (براء) يطلق على المفرد والمثنى والجمع تقول: أنا براء مما تعملون، وانتم براء وانتما براء. فطرني: خلقني. وجعلها كلمة باقية: وجعل كلمة التوحيد باقية. في عقبه: في ذرّيته. من القريتين: من إحدى القريتين وهما مكة والطائف. رحمة ربك: النبوة. سخريا: بمعنى التسخير. معارج: مفرده مَعْرَج ومعراج وهو المَصْعَد والسلّم. وعليها يظهَرون: يصعدون. السرر والأسرة: جمع سرير. الزخرف: الزينة والنقوش. انْ كل ذلك لمّا متاع الحياة: إنْ كل ذلك الا متاع الحياة.
يبين الله تعالى للمعاندين لرسولِ الله ﷺ أن أشرفَ آبائهم وهو ابراهيم عليه السلام تركَ دينَ آبائه، وقال لأبيه وقومه: إنني بريء من عبادة آلهتكم الباطلة. وانه لا يعبد الا الله الذي خلَقَه على فِطرة التوحيد، فهو سَيَهديه إلى طريق الحق، ويجعلُ كلمة التوحيد باقيةً في ذرّيته ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ فيؤمنون بها.
لقد متّع الله قريشاً بالنعمة والأمن في بلدهم، فاغترّوا بذلك ولم يتّبعوا ملّةَ أبيهم ابراهيم...
﴿حتى جَآءَهُمُ الحق وَرَسُولٌ مُّبِينٌ﴾
جاءهم الرسولُ الأمين بالقرآن الكريم يهديهم الى الصراط المستقيم. فلما جاءهم الرسول بالحقّ كذّبوه وقالوا ساحر.
﴿وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ﴾
وقالوا مستخفّين بهذا النبيّ الكريم لأنه فقير: هلاّ نزل القرآن على أحد رجلين من عظماء مكة او الطائف وهما: الوليدُ بن المغيرة من سادات مكة، او عروة بن مسعود الثقفي من سادات الطائف.
وهنا يردّ الله تعالى عليهم ويبين لهم جهلهم بأن العظمةَ ليست بكثرة المال ولا بالجاه، وأن النبوة منصبٌ إلهي وشرفٌ من الله يعطيها من يستحقها، وليست بأيديهم ولا تحت رغبتهم ولذلك قال:
﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ﴾
كيف جهِلوا قَدْرَ أنفسِهم حتى يتحكموا في النبوة ويعطوها من يشاؤون! الله تعالى قَسَم المعيشة بين الناس وفضّل بعضهم على بعض في الرزق والجاه، ليتخذَ بعضُهم من بعض أعواناً يسخّرونهم في قضاء حوائجهم، وليتعاونوا على هذه الحياة.
﴿وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾
والنبوّة وما يتبعها من سعادة الدارَين خيرٌ من كل ما لديهم في هذه الحياة الدنيا. فهذا التفاوت في شئون الدنيا هو الذي يتم به نظام المجتمع، فلولاه لما صرَّف بعضُهم بعضا في حوائجه، ولا تعاونوا في تسهيل وسائل العيش.
ثم بين الله تعالى انه: لولا ان يرغبَ الناسُ في الكفر إذا رأوا الكفار في سَعةٍ من الرزق لمتَّعهم الله بكل وسائل النعيم، فجعل لبيوتهم أبواباً من فضة وسقُفا وسررا ومصاعد من فضة، وزينةً في كل شيء.. وما هذا كلّه إلا متاع قليلٌ زائل مقصور على الحياة الدنيا الفانية.
﴿والآخرة عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ﴾
أعدّها الله للذين أحسنوا واتقَوا وأخلصوا في إيمانهم.
روى الترمذي وابن ماجه عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله ﷺ: «لو ك انت الدنيا تَعْجِل عند الله جناحَ بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء».
قراءات:
قرأ ابن كثير وابو عمرو: سَقفاً بالافراد، والباقون: سُقُفا بالجمع. وقرأ عاصم وحمزة وهشام: لمّا متاع الحياة بتشديد ميم لما. والباقون: لما بالتخفيف.