الكاهن: الذي يوهم الناسَ أنه يعلم الغيب عن طريق اتصاله بالجنّ. نتربص: ننتظر. المنون: المنية، والدهر. ريب المنون: حوادثُ الدهر وصروفه. أحلامهم: عقولهم. قومٌ طاغون: ظالمون تجاوزوا حد المكابرة والعناد. تقوّله: اختلقه من عند نفسه. من غير شيء: من غير خالق. خزائن ربك: خزائن رزقه. المصيطرون: بالصاد وبالسين: القاهرون، المسلَّطون، سيطر عليه: تسلط عليه. بسلطان مبين: بحجة واضحة. من مَغرم مثقلون: من غرامة ثقيلة عليهم. كيداً: شراً. مَكيدون: يحيق بهم الشر ويعود عليهم وباله. كسفا: جمع كسفة وهي القطعة من الشيء. مركوم: متراكم بعضه فوق بعض.
يأمر الله تعالى رسوله الكريم أن يداوم على التذكير والموعظة، وعدم المبالاة بما يكيد المشركون، فما أنت ايها الرسول، بفضل ما أنعم الله به عليك من النبو ورجاحة العقل بكاهن، ولا بمجنون كما يزعمون، ولا انت شاعرٌ كما يقولون حتى يتربّصوا بك حوادثَ الدهر ونكباته.
﴿أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ المنون﴾
قل لهم ايها الرسول: انتظِروا، فإني معكم من المنتظرين.
ثم سفّه أحلامَهم بقوله تعالى: ﴿أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلاَمُهُمْ بهاذآ أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ؟﴾
هل تأمرهم عقولهم بهذا القول المتناقِض، فالكاهنُ والشاعر من أهلِ الفطنة والعقل والذكاء، والمجنونُ لا عقل له، فكيف بكون شاعراً أو مجنوناً!؟، بل الحقّ أنهم قومٌ طاغون، يفتَرون الأقاويل دون دليل عليها.
ثم زادوا في الإنكار ونسَبوا الى النبيِّ الكريم أنه اختلق القرآن من عنده، بل هم بمكابرتهم لا يؤمنون. فإن صحَّ ما يقولون فليأْتوا بحديثٍ مثل القرآن، ان كانوا صادقين في قولهم ان محمداً اختلقه.
ثم انتقل الكتابُ الى الردّ عليهم في إنكارهم وجودَ الخالق كما هو شأن الدهريين فقال: ﴿أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الخالقون؟﴾
هل خُلقوا من غير إله، ام هم الّذين خلَقوا أنفسَهم، فلا يعترفون بخالقٍ يعبدونه.
وهل هم الذين خلَقوا السمواتِ والأرضَ على هذا الصنع البديع؟ بل حقيقةُ أمرهم أنهم لا يوقنون بما يقولون.
وهل عندهم خزائنُ ربّك يتصرفون بها، ﴿أَمْ هُمُ المسيطرون﴾ القادرون المدبِّرون للأمور كما يشاؤون. الحقيقة ان الأمرَ ليس كذلك، بل اللهُ هو المالكُ المتصرف الفعال لما يريد.
قراءات: قرأ ابن كثير وابن عامر والكسائي المسيطرون بالسين. والباقون بالصاد. يقال: سيطر وصيطر.
روى البخاري عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه جبير قال: سمعتُ النبي ﷺ يقرأ في صلاة المغرِب بالطّور، فلما بلغ قوله تعالى: ﴿أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الخالقون؟ أَمْ خَلَقُواْ السماوات والأرض بَل لاَّ يُوقِنُونَ أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ المسيطرون﴾ قال: كادَ قلبي يطير، وأثّرت فيه هذه الآياتُ وكان ذلك من أسباب دخوله الاسلام.