مبلغهم من العلم: منتهى علمهم. كبائر الإثم: الجرائم الكبرى كالقتل والسرقة وما يترتب عليه حد. والفواحش: ايضا من الكبائر وهي ما عظُم قبحها. اللّمم: مقاربة الذنب والدنو منه، او ما صغُر من الذنوب. أنشأكم: خلقكم. أجنّة: جمع جنين، وهو الولد ما دام في بطن أمه.
بعد ان عاب الله عبادةَ الأصنام التي لا تملك نفعا ولا ضرا، ولا شفاعة، وكرر هنا تسفيه أحلامهم بأنهم سمّوا الملائكة بناتِ الله، فمن أين أتاهم ان الله له اولاد هي الملائكة!؟ إنه تعالى غني عن المساعدة وعن الصاحبة والولد، وكلامهم هذا كله دعوى من غير دليل، ﴿إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظن وَإِنَّ الظن لاَ يُغْنِي مِنَ الحق شَيْئاً﴾. فأعرِض أيها الرسول عن هؤلاء الذين لا همَّ لهم الا جمع حطام الدنيا، لأن ذلك الذي يتبعونه هو منتَهى ما وصلوا اليه من العلم، ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهتدى﴾ فهؤلاء قومٌ لا تجدي فيهم الذكرى ولا تؤثر فيهم الموعظة، فلا تبتئس بإنكارهم وكفرهم، اللهُ أعلمُ بهم.
ثم بين بعد ذلك ان الله تعالى هو مالك هذا الكون المتصرفُ فيه، ولذلك فهو القادرُ على الجزاء. وهو عادلٌ يحب العدل، ولذلك يبيّن جزاء الذين أساؤا والذين أحسنوا. وقد بيّن أوصافَ المحسِنين بقوله تعالى: ﴿الذين يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإثم والفواحش إِلاَّ اللمم﴾
يعني ان المحسنين هم الذين يبتعدون عن كبائرِ المعاصي والفواحش، فإذا وقعوا في معصيةٍ وتابوا فَ ﴿إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ المغفرة﴾ يغفر كل ذنب كما قال تعالى: ﴿قُلْ ياعبادي الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ الله إِنَّ الله يَغْفِرُ الذنوب جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الغفور الرحيم﴾ [الزمر: ٥٣]. وعلى هذا يكون اللَّمَمُ هو الإتيان بالمعصِية (من أيّ نوعٍ) ثم يتوب عنها.
ولذلك ختم الآية بان هذا الجزاء، بالسُّوءى والحسنى، مستند الى علم الله بحقيقة دخائل الناس فقال: ﴿هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِّنَ الأرض وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلاَ تزكوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتقى﴾ فهو أعلمُ بأحوالكم، وعندَه الميزانُ الدقيق، وجزاؤه العدْل، واليه المرجع والمآل.
ويرى كثير من المفسرين ان الآية تعني أن الذي يجتنب الكبائرَ يكفِّر الله عنه الصغائرَ، كما قال تعالى: ﴿إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾ [النساء: ٣١]، وهذه الآية مدنية. وعلى كل حالٍ فالله تعالى واسعُ المغفرة، رؤوف بعباده حليم كريم.
قراءات:
قرأ حمزة والكسائي وخلف: الذين يجتنبون كبير الإثم بالافراد، والباقون: كبائر الاثم بالجمع.


الصفحة التالية
Icon