تفسّحوا في المجالس: توسّعوا. ولْيفسحْ بعضكم لبعض. فسح له في المجلس: وسّع له ليجلس. يفسح الله لكم: في رحمته ويوسع لكم في ارزاقكم. انشُزوا: انهضوا لتوسعوا للقادمين. يرفع الله الذين آمنوا: يعلي مكانتهم. ويرفع اهل العلم كذلك. ناجيتم الرسول: إذا أردتم الحديث معه. فقدّموا بين يدي نجواكم صدقةً: فتصدقوا قبل المناجاة. أأشفقتم: أخفتم. وتاب الله عليكم: رفع عنكم هذه الصدقة، ورخَّص لكم في المناجاة من غير تقديم صدقة.
بعد ان أدّب الكتابُ المؤمنين بأدب الحديث والبعدِ عما يكون سبباً للتباغض من التناجي بالإثم والعدوان - علّمهم كيف يعاملون بعضَهم في المجالس، من التوسُّع فيها للقادمين، والنهوض اذا طُلب اليهم ذلك. وأشار إلى أن الله يُعلي مكانة المؤمنين المخلصين، والذين أوتوا العلم بدرجاتٍ من عنده ﴿والله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾.
فالآية فيها أدبٌ جَمٌّ وتشمل التوسع في إيصال جميع انواع الخير الى المسلم وادخال السرور عليه، كما قال الرسول الكريم ﷺ : لا يزالُ اللهُ في عَوْنِ العبد ما دام العبدُ في عون أخيه.
ولما اكثر المسلمون من التنافُس في القُرب من مجلس الرسول الكريم لسماعِ أحاديثه، ولمناجاته في أمورِ الدين، وشَقّوا في ذلك عليه - أراد الله ان يخفّف عنه فأنزل قوله تعال:
﴿ياأيها الذين آمَنُواْ إِذَا نَاجَيْتُمُ الرسول فَقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً....﴾.
اذا أردتم مناجاةَ الرسول فتصدّقوا قبل مناجاتكم له، ذلك خيرٌ لم وأظهرُ لقلوبكم. فإن لم تجدوا ما تتصدّقون به فإن الله تعالى قد رخّص لكم في المناجاةِ بلا تقديم صدقة، ﴿فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾.
﴿أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ﴾.
ولما علم اللهُ أنهم تحرّجوا من تقديم الصدقات وإن كثيرا منهم لا يجدُ ما يأكل، عفا عنهم ورفع الصدقة وقال:
﴿فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُواْ وَتَابَ الله عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُواْ الصلاة وَآتُواْ الزكاة وَأَطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ﴾.
لأن الصلاةَ تطهّر النفوس، والزكاة فيها نفعٌ عام للمؤمنين، واطاعة الله ورسوله خير ما يأتيه المؤمن ويتحلى به، ﴿والله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ فهو محيط بنواياكم وأعمالكم.
قراءات:
قرأ عاصم: بالمجالس بالجمع. وقرأ الباقون: بالمجلس على الافراد. وقرأ عاصم ونافع وابن عامر انشزوا بضم الشين. والباقون: إنشِزوا بكسر الشين، وهما لغتان.