وقد صدق وعدُ الله وظهرت الحقيقة، ونصره اللهُ وأظهر هذا الدينَ القيّم.
﴿فَلاَ تُطِعِ المكذبين وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾.
إيّاك أن تلينَ لهؤلاء الجاحدين المكذّبين، فدُمْ على ما أنت عليه، فقد تمنَّوا لو تتركُ بعضَ ما أنتَ عليه وتلينُ لهم وتصانِعُهم فَيَلينون لك طمعاً في تَجاوُبك معهم.
وقد حاول زعماءُ قريشٍ ان يساوموه، وأن يجمعوا له الأموال، وان يُمَلِّكوه عليهم، وهم لا يَعلمون أن هذا الرسول الكريم فوقَ هذا كلّه، لا يريدُ منهم جزاءً ولا شُكورا، ولا يريد إلا هدايتَهم إلى هذا الدينِ القويم.
ثم بيّن بعضَ صفات أولئك المكذّبين الذي هانت عليهم نفوسُهم فقال: ﴿وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ هَمَّازٍ مَّشَّآءِ بِنَمِيمٍ مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ إِذَا تتلى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأولين سَنَسِمُهُ عَلَى الخرطوم﴾.
وفي هذه الآيات عدّد تسع صفات من صفات السوء أثبتنا تفسيرَها في أول الكلام على السورة. ويقول المفسّرون ان هذه الآيات نزلت في الوليد بن المغيرة المخزومي، وكان من زعماء قريش الأثرياء. وهناك أقوال كثيرةٌ لا حاجة الى إيرادها، فالآياتُ عامة في كلّ من يكذِب ويحلِف كذبا، وينمُّ ويمشي بالسوءِ بين الناس، ويثير الفتنَ والشرَّ بينهم. وهذه الأصنافُ من البشَر موجودةٌ في كل زمانٍ فَلْنحذَرْها ونتقي شرّها.
وقد كان رسولُ الله ﷺ ينهى أصحابه ان ينقلَ إليه أحدٌ منهم ما يُغيِّر قلبه على صاحبٍ من أصحابه. وكان يقول: «لا يبلّغني أحدٌ عن أحدٍ من أصحابي شيئا، فإني أُحبّ أن أخرجَ إليكم وأنا سليمُ الصدر»، رواه ابو داود والترمذي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهـ.
وروى الإمام أحمد والبخاري ومسلم وغيرهم عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهـ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «لا يدخلُ الجنةَ فتّان» والفتان هو النمّام.
وهناك أحاديثُ كثيرة تحذّر من هذه الأخلاق الفاسدة، فالإسلامُ جاء لينقِّيَ الأخلاقَ، ويعلّم الناسَ الخير، ورفيعَ الاخلاق، والمعاملةَ الطيبة، وحُسنَ المعاشرة، وهو يشدِّد في النهي عن الخلُق الذميم الوضيع.
وكان صاحبُ هذا الخلق الذميم في ايامه ذا مالٍ كثيرٍ وعدد من البنين، وهذا سبٌ كبير في كذبه وسوء خلقه، فلا تطعْه أيها الرسول، فإنه جاحد.
﴿إِذَا تتلى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأولين﴾
إنه يكذّب بالقرآن الكريم ويقول عن آياته إنها خرافات من قصص الأولين لا آياتٍ من عند الله.
وبعد ان ذكَر قبائح أفعاله توعّده بشرٍ عظيم فقال:
﴿سَنَسِمُهُ عَلَى الخرطوم﴾
سنجعلُ له وسْماً وعلامةً على أنفه يوم القيامة، أي أنّنا سنفضح أمره حتى لا يخفى على أحدٍ في الدنيا، ثم يأتي يوَ القيامة وعلى انفه وسمٌ ظاهر.
قراءات:
قرأ حمزة ويعقوب وابو بكر: أأن كان ذا مال، على الاستفهام. وقرأ ابن عامر آن كان بمد الهمزة. والباقون: أ، كان ذا مال كما هو في المصحف.


الصفحة التالية
Icon