هاؤم: خذوا. ظننتُ: علمت، أيقنت. راضية: يرضى بها صاحبها. عالية: في القدر والمكان. قطوفها: جمع قِطف بكسر القاف، ما يقطف من الثمر. دانية: قريبة سهلة التناول. هنيئا: يعني كلوا واشربوا سائغا بلا تنغيص ولا كدر. أسلفتم: قدمتم. الأيام الخالية: الايام الماضية في الدنياز يا ليتها كانت القاضية: على حياته فيرتاح ولم يُبعث. ما أغنَى عني ماليه: لم يغن عني مالي الذي جمعته في الدنيا شيئا. هلكَ عني سُلْطَانِيَهْ: ذهب عني كل ما املك من قوة ومال وصحة. غُلّوه: شدوه بالقيود، والغلّ هو القيد الذي يجمع بين اليدين والعنق. صَلّوه: ألقوه في النار حتى يصلاها. ذرعُها: طولها. فاسلكوه: فاجعلوه في هذه السلسلة الطويلة. حميم: قريب او صديق. غِسلين: صديد اهل النار.
بعد ان قدّم وصفاً رهيباً ليوم القيامة، وكيف تزول الأرضُ والجبال عن مواقعها وتُدكّ وتنشقّ السماء، وتقفُ الملائكة على جوانبها، ويوضع العرشُ، ويُفتح حسابُ البشر وفي ذلك اليوم لا يخفى على الله شيء - بعد هذا كله أتى بذِكر صورتين متقابلتين من أحوالِ البشَر، وهم: السعداءُ أصحاب اليمين، والأشقياءُ أصحاب الشمال. فأما السعداء فإنهم يتلقَّون كتابَهم بأيمانهم، ويغدُون مسرورين فرحين، يعرِضون كُتبَهم على الناس ليقرأوها. وكل واحدٍ منهم يقول: إني علمت أن ربّي سيحاسبني حسابا يسيرا، ﴿فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ﴾ مرضيّة خاليةٍ مما يكدِّر، ﴿فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ﴾ وهي جنة الخلد ذاتُ المكان الرفيع والثمارِ المختلفة التي يسهُل تناولها. وكلهم في نعيمٍ وحبور ويقول لهم ربهم: ﴿كُلُواْ واشربوا هَنِيئَاً بِمَآ أَسْلَفْتُمْ فِي الأيام الخالية﴾.. كُلوا من ثمار جنةِ الخلد هنيئاً، واشربوا من شرابها مريئا، وذلك كلّه جزاءَ ما قدّمتم من الأعمال الصالحة في أيام الدنيا الماضية.
واما الأشقياء، وهم الذين كذّبوا الرسلَ، ولم يؤمنوا بالله ولا البعث والحساب - فإن الواحدَ منهم حين ينظر في صحيفة أعماله بعد أن تلقّاها بشماله - ينفر منها ويقول:
﴿ياليتني لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ ياليتها كَانَتِ القاضية﴾.
يا ليتني لم أتلقّ كتابي، ولم أعلم أي شيء عن حسابي، ويا ليتَ الموتةَ التي مِتُّها كانت نهايةَ الحياة، لم أُبعث بعدَها ولم ألقَ ما أنا فيه من عذابٍ وسوء منقلَب.
﴿مَآ أغنى عَنِّي مَالِيَهْ هَّلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ﴾.
لم ينفعني مالي وما جمعتُ في الدنيا، وذهَب عنّي كلُّ عزٍّ وجاهٍ وصحة وقوة.. ذهبَ ذلك كلُّه وبقيَ العذابُ والوبال.
وعندها يقال لزبانية جهنم:
﴿خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الجحيم صَلُّوهُ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ﴾.
خذوه وأدخِلوه في النار مقيَّدا، في سلسلة طولها سبعون ذراعا لُفُّوها على جسمه حتى لا يستطيعَ حَراكا. وليس المرادُ أن طولَها كذلك، ولكن القصدَ إهانته وبيانُ هول العذاب. فقد كان لا يؤمن بالله العظيم، وكان بخيلاً ممسِكاً لا يُطعِم الفقراء والمساكين ولا يحثّ الناسَ على إطعامهم. لذلك:
﴿فَلَيْسَ لَهُ اليوم هَا هُنَا حَمِيمٌ﴾
ليس له صديقٌ ولا قريب يدفع عنه في هذا اليوم. وطعامُه من صديدِ اهل النار، الذي لا يأكله الا الخاطئون المذنبون أمثاله ممن أصرّوا على الكفر والجحود وماتوا عليه.


الصفحة التالية
Icon