مستطيرا: منتشرا، فاشيا. عبوسا: تعبس فيه الوجوه. قمطريرا: شديد الشر مظلما. والفعل اقمطرّ الشر: اشتد وتجمع. لقّاهم: اعطاهم. نضرة: حسنا وبهاء. الأرائك: واحدتها أريكة: السرير، والمقعد الوثير المنجد. الزمهرير: أشدُّ البرد. دانية: قريبة منهم مظللة لهم. وذُللت قطوفها تذليلا: سخرت لهم ثمارها بحيث تكون في تناول أيديهم. القطوف: واحدها قِطف بكسر القاف وهو ما قطف من الثمر، والعنقود. بآنية من فضة: واحدها إناء بكسر الهمزة وهو كل ما يوضع فيه الشراب. والأكواب: واحدها كوب وهو الكوز الذي لا عروة له. والقوارير: واحدها قارورة: اناء رقيق من الزجاج. قدّروها تقديرا: قدرها الساقون بأحجام تناسِب الذوق والحاجة مما يحقق المتعة والجمال. مزاجها زنجبيلا: الزنجبيل نوع من النبات طيب الرائحة. السلسبيل: الشراب السائغ اللذيذ، واسم عينٍ في الجنة. وِلدان مخلدون: دائمون في بهائهم وحسنهم. السندس: نوع من الحرير الرقيق. الاستبرق: نوع من الحرير الغليظ.
في هذه الآيات الكريمة عرضٌ وتفصيل لصور النعيم الذي أفاضه الله تعالى على عباده الأبرار في جنة الخلد، وهذا العرض من أطولِ ما وردَ في القرآن الكريم لصُورِ النعيم ومشاهده. وقد بدأ ببيان أعمالهم وما قدّموا من خير للناس فقال:
﴿يُوفُونَ بالنذر وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً﴾.
هؤلاء الابرارُ يوفون بما أوجبوه على انفسهم من نَذْرٍ في طاعة الله، ويخافون من هولِ يوم القيامة، ذلك اليوم المخيفِ الذي يعمّ شرُّه ويستطير بين الناس إلا من رحمَ الله. وهم يُطعِمون الطعام رغم حاجتهم إليه الى المسكين واليتيم والفقير.. والمرادُ من اطعام الطعام الاحسانُ الى المحتاجين ومواساتهم بأي وجه.
وبعد ان ذكر ان الأبرار يحسِنون الى المحتاجين بين ان لهم في ذلك غرضَين: طلبَ رضا الله عنهم، وخوفَ يوم القيامة:
﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ الله لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً﴾
لا نريد عن عملنا هذا عِوَضاً ولا نريد منكم ثناء.
﴿إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً﴾.
إنا نفعل ذلك ليرحمنا ربُّنا يوم القيامة، ويتلقّانا بلطفه في ذلك اليوم الشديد الهولِ والشر.
ثم بين الله تعالى انه أمَّنَ لهم مَطلبهم فقال:
﴿فَوَقَاهُمُ الله شَرَّ ذَلِكَ اليوم وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً﴾
فحماهم اللهُ من شر ذلك اليوم وشدائده، وأعطاهم نضرةً وحُسناً في وجوههم وسروراً في قلوبهم.
ثم زاد من كرمه وإحسانه فقال:
﴿وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ جَنَّةً وَحَرِيراً﴾،
أعطاهم على صبرهم، واحسانهم للناس، وإيمانهم الصادق - هذا النعيمَ في الجنة والخلودَ فيها، ولباسَ الحرير الذي كان ممنوعا في الدنيا.
ثم وصف شرابَهم وأوانيه والسقاةَ الذين يطوفون عليهم به، وما هم فيه من سعادةٍ أبدية فقال:
﴿مُّتَّكِئِينَ فِيهَا على الأرائك لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً﴾.
يجلسون على أفخرِ الأسرّة والمقاعد متكئين عليها يتحدّثون ويتسامرون، لا يجِدون في الجنة حَرّاً ولا بردا.