قُتل الانسان: كلمة تقال للدعاء عليه بالعذاب. فقدّره: أنشأه في اطوار مختلفة. ثم السبيلَ يسّره: ثم سهّل له طريقه. فأقبره: فأماته وذهب به الى القبر. وأنشره: بعثه بعد الموت. وقَضْبا: كل ما يؤكل من النبات والخضار والبقول غضاً طريا. غلبا: ضخمة، عظيمة. وأبّا: ما ترعاه الدواب. الصاخّة: القيامة، لأنها تصرع الآذان. شأنٌ يغنيه: شغل يصرفه عن مساعدة غيره. مسفرة: مشرقة، مضيئة. مستبشرة: فرحة بما نالت من البشرى. عليها غَبرة: ما يصيب الانسان من الغبار والارهاق. ترهقها: تغشاها. قَتَرة: سواد كالدخان.
بعد أن ذكر القرآن الكريم على أنه كتابُ موعظةٍ وذكرى وهدى للناس، يبين الله تعالى هنا جحودَ الإنسان وكفرَه الفاحشَ ولا سيّما أولئك الذين أُوتوا سَعةً من الرزق. ثم يذكّره بمصدر حياته ووجودِه، وأصلِ نشْأتِه، وكيف يسَّر له السبيلَ في حياته ثم تولى موتَه وبعثَه. ثم بعد ذلك ينعى على الانسان تقصيره في أمره، وأنه لا يؤدي ما عليه لخالِقِه، فيقول:
﴿قُتِلَ الإنسان مَآ أَكْفَرَهُ....﴾.
هذه جملةُ دعاءٍ على كل جاحِد، والمرادُ بيانُ قُبحِ حالِه وتمرُّده وتكبُّره، فما أشدَّ كفره مع إحسان الله اليه! والحقُّ أن الانسانَ قد بلغ في كفره بالنعمة الإلهية مبلغاً يقضي بالعجب، فانه بعد ما رأى في نفسِه من آيات الله، وبعد ان مضى عليه تلك السّنون الطوال في الأرض، والتي شاهد فيها ما في هذا الكون الواسع العجيب من شواهدَ وادلّة ونظام بديع - لا يزال يجحَدُ أنعم الله عليه ولا يشكرها. ان الله تعالى لم يدَعِ الانسان سُدى، فقد أرسل إليه الهداةَ إثر الهداة، غير ان الانسان ظلّ سادراً في ضلاله، مغروراً بهذه الحياة الدنيا وما فيها من نعيم زائل.
لذا شرع اللهُ يفصّل ما أجمَلَه ويبيّن ما افاض عليه من النِعم فقال:
﴿مِنْ أَيِّ شَيءٍ خَلَقَهُ﴾
إنه من أصلٍ متواضع جدا.
﴿مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ﴾
لقد خلقه اللهُ من نطفةٍ من ماء حقير، وقدّره أطوارا وأحوالا، وأتم خَلْقَه، وأودع فيه من القوى ما يمكّنَه من استعمال أعضائه، وصوَّره بأجملِ صورةٍ وأحسنِ تقويم.
﴿ثُمَّ السبيل يَسَّرَهُ﴾
ثم مهّد له سبيل الهداية، وسبيلَ الحياة، وأودع فيه أعظمَ خصائص الاستعدادِ ليعيشَ في هذه الحياة.
حتى اذا انتهت الرحلة، صار الى النهاية الّتي يصير إليها كل حيٍّ بلا اختيار.
﴿ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ﴾
ثم قبض روحَه وأماته وكرّمه بأن يُقبر.
﴿ثُمَّ إِذَا شَآءَ أَنشَرَهُ﴾
حتى اذا حان الموعدُ الذي قدّره الله ليوم البعث اعادَه الى الحياةِ للحساب والجزاء. وهذا موعدٌ لا يعرفه إلا الله. إذن فإن الانسانَ ليس متروكا سُدى، ولا ذاهباً بغير حساب ولا جزاء. فهل قام بواجبه تجاه خالقه؟
﴿كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ مَآ أَمَرَهُ﴾
كلا، إنه مقصّر لم يؤدِ واجبَه ولم يشكر خالقه، ولم يقضِ هذه الرحلةَ على الأرض في الاستعداد ليومِ الحساب والجزاء.