ويل للمطففين: هلاك عظيم للذين يبخسون المكيال وينقصونه، طفّف المكيالَ: نَقَصَه. اذا اكتالوا على الناس يستوفون....: عندما يكتالون لأنفسِهم من الناس - يأخذون حقهم وافيا، اما اذا كالوهم أو وزنوهم فإنهم يُنقِصون حقوق الغير. سجِّين: اسمُ الكتاب الذي تُكتب فيه اعمالهم. مرقوم: له رقم وعلامة. أساطير الأولين: أخبار الماضين. ران على قلبِه: غطى عليه. لَمحجوبون: لمطرودون عن أبواب الكرامة. لَصالو الجحيم: داخلون فيها.
تبدأ السورة بحربٍ يعلنها الله على أناسٍ يمتهنون سرقة الناس، سماهم الله «المطفِّفين»، لأن الشيء الذي يأخذونه من حقوق الناس شيءٌ طفيف، ولكنه سرقةٌ وغشّ. أما مَن هم، فهم أولئك الذين يتقاضَون بضاعتهم وافية عند الشراء ويعطونها للناس ناقصةً عند البيع.
ثم جار بصيغة التعجب من عمل هؤلاء المجرمين فقال تعالى:
﴿أَلا يَظُنُّ أولئك أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ الناس لِرَبِّ العالمين؟﴾
ألا يخطر ببال هؤلاء المطفّفين أنهم سيُبْعثون ليوم عظيم الهول، حيث يقف فيه الناس للعرض والحساب!
ولا يخفَى ما في الوصفّ «لربّ العالمين» من الدلالة على عِظَم الذنب في أكلِ أموال الناس بالباطل. فالميزان هو قانونُ العدل الذي قامت به السموات والأرض.
وبعد ان ذكر اللهُ تعالى أنه لا يزاول التطفيفَ ونقصَ الميزان الا من ينكر يومَ القيامة والبعثَ والجزاء - أمر هنا بالكفّ عما هم فيه، وذكر ان الفجّارَ، كما سمّاهم، قد أُعدّ لهم كتابٌ أُحصيتْ فيه جميع أعمالهم ليحاسَبوا عليهاز
﴿كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الفجار لَفِي سِجِّينٍ، كِتَابٌ مَّرْقُومٌ﴾
كفّوا عما أنتم عليه، فهناك سِجِلٌ لاعمال الفجّار فيه جميعُ أعمالهم اسمه سِجّين، ﴿وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ؟﴾ إنه شيء عظيم ليس مما كنتَ تعلمه يا محمد أنتَ ولا قومك. ان الأمر اكبرُ وأضخم من أن يُحيط به عِلم، فهو ﴿كِتَابٌ مَّرْقُومٌ﴾، مسطور له علامة واضحة، لا يُزاد فيه ولا يُنقَص منه، ﴿لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا﴾ [الكهف: ٢١].
ثم يأتي بالتهديدِ والوعيد لمن يكذّب باليوم الآخِر فيقول:
﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ الذين يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدين﴾
الهلاكُ للجاحدين الذين لا يؤمنون بالآخرة ﴿وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ﴾ يظلُّ يعتدي على الحق ويُصرّ على الكفر، لأنه من المجرمين الآثمين، حتى إنه: ﴿إِذَا تتلى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأولين﴾ منكراً أن القرآن قد نزل من عند الله وزاعماً انه مجرد خرافات وأباطيل عند الأمم السابقة، جاء بها محمد، كما جاء في قوله تعالى: ﴿وقالوا أَسَاطِيرُ الأولين اكتتبها فَهِيَ تملى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً﴾ [الفرقان: ٥].
ثم بيّن الله تعالى ان الذي جرّأَهم على الجحود والتمادي في الإصرار على الإنكار والكفر هي افعالهم القبيحة التي مَرَنوا عليها حتى صاروا لا يميزون بين الخُرافة والحجّة الدامغة فقال: ﴿كَلاَّ بَلْ رَانَ على قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾.