الجدَل: الحِجاج والمناظرة، مأخوذ من جدلَ الحبلَ وفتله، والمُناظر يفتل خصمه عن رأيه. مسلمون: مطيعون، خاضعون. وما يجحدون بآياتنا: وما ينكر. اذاً لارتاب المبطلون: اذا لشك أهل الباطل.
يؤكد القرآن الكريم على الدعوة بالرِّفق واللين، ومجادلة اهل الكتاب بالتي هي أحسن، ومقابلة الغضب ولاعصبية بالهدوء وكظم الغيظ، فيقول ﴿وَلاَ تجادلوا أَهْلَ الكتاب إِلاَّ بالتي هِيَ أَحْسَنُ﴾. ويقول: ﴿ادع إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بالحكمة والموعظة الحسنة وَجَادِلْهُم بالتي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل: ١٢٥]. ويقول: ﴿ادفع بالتي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [المؤمنون: ٩٦].
هذه أوامر الله تعالى في القرآن الكريم، يأمرنا ان نتحلّى بالرفق واللين، وندعو ونجادل بالتي هي أحسن. لكننا مع الأسف نجد معظم الذين يرتدون في الظاهر زِيّ الدين، ويدعون الى الله - لا يتحلّون بهذه الاخلاق، فتجدهم على المنابر متشنّجين متشدّدين، وقد لا نظلمهم إذا قلنا ان بعضهم يتشنّج في خدمة جيبه، لا خدمة ربّه.
﴿إِلاَّ الذين ظَلَمُواْ مِنْهُمْ﴾
اما الذين ظلمونا وحاربونا وناصبونا العداء فإن الله تعالى أمرنا ان نقابلهم بالمثل، حيث لا ينفع معهم الرفق ولا اللين. وفي مذابح لبنان وافغانستان شاهدٌ على ذلك.
﴿وقولوا آمَنَّا بالذي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وإلهنا وإلهكم وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾
قولوا لهم: آمنّا بالقرآن الذي أُنزل الينا، والتوراةِ والإنجيل، معبودُنا ومعبودكم واحد ونحن خاضعون له، ومنقادون لأمره.
ثم بين الله انه لا عجبَ في إنزال القرآن على الرسول الكريم، فهو على مثال ما أُنزل من الكتب من قبل فقال:
﴿وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الكتاب فالذين آتَيْنَاهُمُ الكتاب يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هؤلاء مَن يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاَّ الكافرون﴾.
كما أنزلنا الكتب على من قبلَك من الرسل أنزلنا إليك القرآن، فالذين آتيناهم الكتابَ قبل القرآن من اليهود والنصارى - يؤمنون به، اذ كانوا مصدّقين بنزوله حسب ما ورد في كتبهم. ومن هؤلاء العربِ من يؤمن به، وما يكذّب بآياتنا بعد ظهورها الا المصرّون على الكفر.
ثم اكد الله إنزاله من عنده، وأزال الشبهة في افترائه فقال:
﴿وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لاَّرْتَابَ المبطلون﴾.
ما كنتَ يا محمد تقرأ ولا تكتب من قبل ان ينزل اليك القرآن، وهذا أمرٌ يعلمه جميعُ أهل مكة، ولو كنتَ تقرأ وتكتب لشكّ أهل الباطل في أن هذا القرآن من عند الله.
ثم اكد ما سلف وبيّن ان هذا القرآن منزلٌ من عند الله حقا فقال:
﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الذين أُوتُواْ العلم وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاَّ الظالمون﴾.
ان هذا القرآن لا يمكن ان يكون موضعَ ارتياب، بل هو آياتٌ واضحات محفوظة في صدور الذين آتاهم الله العلم. ولا ينكر آياتن الا الظالمون للحقّ ولأنفسِهم، الذين لا يَعدلِون في تقدير الحقائق وتقويم الأمور.