٩٢ - هذا شأن الله مع الذين كذَّبوا شعيباً، وهددوه وأنذروه بالإخراج من قريتهم، وعملوا على رد دعوته، قد هلكوا وهلكت قريتهم كأن لم يعش فيها الذين كذَّبوا شعيباً، وزعموا أن من يتبعه يكون خاسراً، وأكدوا هذا الزعم وكانوا هم الخاسرين لسعادتهم فى الدنيا والآخرة.
٩٣ - فلما رأى شعيب ما نزل بهم من الهلاك المدمر، أعرض عنهم، وقال مبرئاً نفسه من التقصير معهم: لقد أبلغتكم رسالات ربكم المفضية إلى الإحسان إليكم لو عملتم بها، وبالغت فى إسداء النصح لكم، والعظة بما به تنجون من عقوبة الله، فكيف أحزن الحزن الشديد على قوم كافرين؟ لا يكون ذلك بعدما أعذرت إليهم، وبذلت جهدى فى سبيل هدايتهم ونجاتهم، فاختاروا ما فيه هلاكهم.
٩٤ - وما بعثنا نبياً من الأنبياء فى قرية من القرى، يدعو أهلها إلى دين الله القويم، وأعرضوا عن قبول تلك الدعوة، إلا أصبناهم بالفقر والمرض، كى يتذللوا ويبتهلوا إلى الله مخلصين له فى كشف ما نزل بهم، ويستجيبوا لرسوله.
٩٥ - ثم لما لم يفعلوا ذلك، واستمروا فى كفرهم وعنادهم، امتحناهم بالعافية مكان البلاء استدراجاً، فأعطيناهم رخاء وسعة وصحة وعافية، حتى كثروا ونموَّا فى أموالهم وأنفسهم، وقالوا لجهلهم: إن ما أصاب آباءنا من المحن والبلايا والرفاهية والنعيم، فذلك شأن الدهر، يُدَاول الضرَّاء والسَرَّاء بين الناس، من غير أن ينتبهوا إلى أن هذا جزاء كفرهم فيرتدعوا وبهذا جهلوا سنته - جل شأنه - فى أسباب الصلاح والفساد فى البشر، وما يترتب عليهما من السعادة والشقاء فكانت عاقبة ذلك أن أصابهم الله بالعذاب المدمر فجأة، وهم فاقدون للشعور بما سيحل بهم.
٩٦ - ولو أن أهل تلك القرى آمنوا بما جاء به الرسل، وعملوا بوصاياهم وابتعدوا عما حرَّمه الله لأعطيناهم بركات من السماء والأرض، كالمطر والنبات والثمار والأنعام والأرزاق والأمن والسلامة من الآفات، ولكن جحدوا وكذبوا الرسل، فأصبناهم بالعقوبات وهم نائمون، بسبب ما كانوا يقترفون من الشرك والمعاصى، فأخذهم بالعقوبة أَثرٌ لازم لكسبهم القبيح، وعبرة لأمثالهم إن كانوا يعقلون.


الصفحة التالية
Icon