٨ - ولئن اقْتضت حكمتنا تأخير عذاب كفرهم فى الدنيا إلى وقت مُحدد عندنا هو يوم القيامة، ليقولون مستهزئين: ما الذى يمنعه عنا الآن؟ فليأت به إن كان صادقاً فى وعيده. ألا فليعلم هؤلاء أن العذاب آتٍ حتماً، وأنه لا خلاص لهم منه حين يأتيهم، وأنه سيحيط بهم بسبب استهزائهم واستهتارهم.
٩ - وإن من طبيعة الإنسان أن تستغرق نفسه الحالُ التى يكون عليها، فإذا أعطيناه بعض النعم رحمة منا كالصحة والسعة فى الرزق، ثم نزعنا بعد ذلك هذه النعمة لحكمة منا، أسرفَ فى يأسه من عودة هذه النعمة إليه، وأسرف فى كفره بالنعم الأخرى التى لا يزال يتمتع بها.
١٠ - وإننا لو أعطينا الإنسان نعمة بعد ضر لحق به، فإنه يقول: ذهب ما كان يسوؤنى ولن يعود ويحملُه ذلك على شدة الفرح بمتاع الدنيا، وعلى المبالغة فى التفاخر على الغير، فينشغل قلبه عن شكر ربه، هذا هو شأن غالب بنى الإنسان: مضطرب بين اليأس والتفاخر.
١١ - ولا يخلو من هذا العيب إلا الذين صبروا عند الشدائد، وعملوا الصالحات فى السرَّاء والضرَّاء. هؤلاء لهم مغفرة من الذنوب وأجر كبير على أعمالهم الصالحة.
١٢ - لا تحاول - أيها النبى - إرضاء المشركين لأنهم لا يؤمنون، وعساك إن حاولت إرضاءهم أن تترك تلاوة بعض ما يوحى إليك مما يشق سماعه عليهم، كاحتقار بعض آلهتهم، خوفاً من قبح ردهم واستهزائهم، وعسى أن تحس بالضيق وأنت تتلوه، لأنهم يطلبون أن ينزل الله عليك كنزاً تنعم به كالملوك، أو يجئ معك مَلَك يخبرنهم بصدقك، فلا تبال - أيها النبى - بعنادهم، فما أنت إلا منذر ومحذِّر من عقاب الله من يخالف أمره، وقد فعلت فأرِحْ نفسك منهم. واعلم أن الله على كل شئ رقيب ومهيمن، وسيفعل بهم ما يستحقون.


الصفحة التالية
Icon