٦٢ - ولما هموا بالرحيل، قال لأتباعه: ضعوا ما قدَّموه من ثمن بضاعتهم فى أمتعتهم، عساهم يرونها إذا عادوا إلى أهلهم، فيكون ذلك أرجى لعودتهم مؤملين فى إعطائهم الطعام، واثقين بالوفاء بالعهد، وآمنين على أخيهم وليبعثوا الطمأنينة فى نفس أبيهم.
٦٣ - فلما عادوا إلى أبيهم قصوا عليه قصتهم مع عزيز مصر، وتلطفه بهم، وأنه أنذرهم بمنع الكيل لهم فى المستقبل إن لم يكن معهم بنيامين، وواعدهم بوفاء الكيل لهم، وإكرام منزلتهم إن عادوا إليه بأخيهم، وقالوا له: ابعث معنا أخانا فإنك إن بعثته اكْتلنا ما نحتاج إليه من الطعام وافياً، ونعدك وعداً مؤكداً أنا سنبذل الجهد فى المحافظة عليه.
٦٤ - وثارت فى نفس يعقوب ذكريات الماضى، فربطها بالحاضر، وقال لبنيه: إن أمرى إذا استجبت لكم لعجيب فلن تكون حالى حين آمنكم على أخيكم إلا مثل حالى حين ائتمنتكم على يوسف فأخذتموه، ثم عدتم تقولون: أكله الذئب، فالله حسبى فى حماية ابنى، ولا أعتمد إلا عليه، فهو أقوى حافظ، ورحمته أوسع من أن يفجعنى بعد يوسف فى أخيه.
٦٥ - وكان إخوة يوسف يجهلون أن يوسف وضع أموالهم فى حقائبهم، فلما فتحوها ووجدوا الأموال عرفوا جميل ما صنع بهم يوسف، وتذرعوا بذلك إلى بث الطمأنينة فى قلب يعقوب، وإقناعه بالاستجابة إلى ما طلب العزيز وبالغوا فى استمالته، فذكروه بما بينه وبينهم من رباط الأبوة، فقالوا: يا أبانا أى شئ تريده أجمل مما جرى وينتظر أن تجرى به الأحداث؟ هذه أموالنا أعيدت إلينا دون أن يحتجز منها شئ، فنسافر مع أخينا ونجلب الميرة لأهلنا، ونرعى أخانا، ويزيد ميرتنا حمل بعير لحق أخينا، فقد رسم العزيز أن يعطى الرجل حمل بعير.
٦٦ - ونجحت محاولة أبناء يعقوب فى إقناعه، وأثَّر مقالهم فيه، فنزل عن التشدد فى احتجاز ابنه وحبسه عن الذهاب مع إخوته إلى مصر، ولكن قلبه لا يزال فى حاجة إلى ما يزيد اطمئنانه ولذلك قال لهم: لن أبعثه معكم إلا بعد أن تعطونى ضماناً قوياً، فتعاهدوا الله عهداً موثقاً أن تعيدوه إلىّ، وألا يمنعكم عن ردِّه إلا أن تُهلكوا أو يحيط بكم عدو يغلبكم عليه. فاستجابوا له، وقدَّموا ما طلب من المواثيق، وعندئذ أشهد الله على عهودهم وأيمانهم بقوله: الله على ما دار بيننا مطلع رقيب.


الصفحة التالية
Icon