٨٦ - ولم يؤثر قولهم فيه، فردهم قائلاً: ما شكوت لكم، ولا طلبت منكم تخفيف لوعتى، وليس لى إلا اللَّه أضرع إليه وأشكو له همومى صعبها وسهلها، وما أستطيع كتمانه منها وما لا أستطيع، لأنى أدرك من حسن صنعه وسعة رحمته ما لا تدركون.
٨٧ - والثقة فى اللَّه تحيى الأمل ولذلك لم يذهب الغم برجاء يعقوب فى عودة ولديه إليه، وألقى فى روعه أنهما من الأحياء، وأن موعد التقائه بهما قد حان، فأمر بنيه أن ينقبوا عنهما، قائلا لهم: يا بنى ارجعوا إلى مصر فانضموا إلى أخيكم الكبير، وابحثوا عن يوسف وأخيه وتطلَّبوا أخبارهما فى رفق لا يشعر به الناس، ولا تقنطوا من أن يرحمنا اللَّه بردهما، لأنه لا يقنط من رحمة اللَّه غير الجاحدين.
٨٨ - واستجاب إخوة يوسف لطلب أبيهم، فذهبوا إلى مصر، وتحايلوا لمقابلة حاكمها الذى ظهر لهم من بعد أنه يوسف، فلما دخلوا عليه، قالوا: - يا أيها العزيز - مسَّنا نحن وعشيرتنا الجوع وما يتبعه من ضر الأجسام والنفوس، وجئنا إليك بأموال قليلة هى بضاعتنا وهى ترد لقلتها ورداءتها، وليست كفاء ما نرجوه منك، لأننا نرجو منك وفاء الكيل فأوفه لنا، واجعل الزائد عن حقنا صدقة علينا، إن اللَّه تعالى يثيب المتصدقين بأحسن الثواب.
٨٩ - أخذت يوسف الشفقة الأخوية الرحيمة التى تعفو عن الإساءة، وابتدأ يكشف أمره لهم قائلا فى عتب، هل أدركتم قبح ما فعلتموه بيوسف من إلقائه فى الجب، وبأخيه من أذى. مندفعين فى ذلك بجهل أنساكم الرحمة والأخوة؟