٩٠ - نبهتهم تلك المفاجأة السارة إلى إدراك أن هذا يوسف، فتفحصوه، ثم قالوا مؤكدين: إنك لأنت يوسف حقا وصدقا، فقال يوسف الكريم مصدقا لهم: أنا يوسف، وهذا أخى، قد مَنَّ اللَّه علينا بالسلامة من المهالك، وبالكرامة والسلطان، وكان ذلك جزاء من اللَّه لإخلاصى وإحسانى، وإن اللَّه لا يضيع أجر من يُحسن ويستمر على الإحسان.
٩١ - فقالوا: صدقت فيما قلت، ونؤكد لك بالقسم أن الله فضَّلك بالتقوى والصبر وحسن السيرة وأثابك بالملك وعلو المكانه، وإنما كنا آثمين فيما فعلنا بك وبأخيك، فأذلنا اللَّه لك، وجزانا جزاء الآثمين.
٩٢ - فرد عليهم - النبى الكريم - قائلاً: لا لوم عليكم اليوم، ولا تأنيب، ولكم عندى الصفح الجميل لحرمة النسب وحق الأخوة، وأدعوا اللَّه لكم بالعفو والغفران، وهو صاحب الرحمة العظمى.
٩٣ - ثم سألهم يوسف عن أبيه، فلما أخبروه عن سوء حاله وسوء بصره من كثرة غمه وبكائه؛ أعطاهم قميصه، وقال لهم: عودوا به إلى أبى فاطرحوه على وجهه، فسيؤكد له ذلك سلامتى، وتملأ قلبه الفرحة، ويجعله اللَّه سببا لعودة بصره، وحينئذ تعالوا إلىَّ به، وبأهلكم أجمعين.
٩٤ - وارتحلوا بالقميص، وكان قلب يعقوب مستغرقا فى ترقب ما تأتى به رحلة بنيه، وكان اللَّه معه فى هذا الترقب فوصل روحه بأرواحهم، فحين تجاوزت قافلتهم أرض مصر فى طريقها إليه، شرح اللَّه صدره بالأمل، وأحاطه بجو من الطمأنينة إلى اقتراب البشرى بسلامة يوسف، وأخبر أهله بذلك إذ يقول: إنى أشعر برائحة يوسف المحبوبة تغمرنى، ولولا خشية أن تتهمونى فى قولى لأنبأتكم عن يوسف بأكثر من الشعور والوجدان.
٩٥ - فرد عليه أهله ردا خشنا، حالفين باللَّه أنه لا يزال ذاهبا عن صوابه هائما فى خياله، فتهيأ له ما تهيأ من فرط محبته ليوسف، ولهجه بذكراه، ورجائه للقياه.