٥ - وإن أمر المشركين مع هذه الدلائل لعجب، فإن كنت يا محمد تعجب، فالعجب هو قولهم: أبعد الموت وبعد أن نصير تراباً نكون أحياء من جديد؟ وهذا شأن الذين يكفرون بخالقهم، عقولهم قيدت بالضلال، ومآلهم النار التى يخلدون فيها، فهم جاحدون، مع أن مَنْ يقدر على الإنشاء يقدر على الإعادة.
٦ - ويذهب بهم فرط ضلالهم أن يطلبوا إنزال العذاب عاجلا بدل أن يطلبوا الهداية التى تنقذهم، ويتوهمون أن الله لا ينزل بهم العقوبة فى الدنيا إن أراد، وقد مضت عقوبات أمثالهم على ذلك، فيمن أهلكهم الله قبلهم، وشأن الله أن يغفر الظلم لمن يتوب ويعود إلى الحق، وينزل العقاب الشديد بمن يستمر على ضلاله.
٧ - ويقول هؤلاء الجاحدون غير معتدين بالمعجزة الكبرى، وهى القرآن: هلا أنزل عليه ربه علامة على نبوته من الحس كتحريك الجبال، فيبين الله لنبيه الحق فى القضية؟ ويقول له سبحانه: إنما أنت - أيها النبى - منذر لهم بسوء العاقبة، إن استمروا على ضلالهم، ولكل قوم رسول يهديهم إلى الحق، ومعجزة تبين رسالته، وليس لهم أن يختاروا، إنما عليهم أن يجيبوا التحدى وأن يأتوا بمثله.
٨ - الذى أعطى الرسول تلك المعجزة الكبرى هو الذى يعلم كل شئ، ويعلم النفوس الإنسانية من وجودها نطفة فى الرحم إلى موتها، فيعلم ما تحمل كل أنثى من أجنة ليس فقط من ذكورة أو من أنوثة، وإنما يعلم حال الجنين ومستقبله فى حياته الدنيا شقى أم سعيد، مؤمن أم كافر، غنى أم فقير، ومقدار أجله فى الدنيا وكل ما يتصل بشئونه فى الحياة.
٩ - هو الذى يعلم ما يغيب عن حسنا، ويعلم ما نشاهده علماً، أعظم مما نشاهد ونرى، وهو سبحانه العظيم الشأن الذى يعلم كل ما فى الوجود.