١٥ - والله سبحانه يخضع لإرادته وعظمته كل من فى السموات والأرض من أكْوان وأناس وجن وملائكة طائعين، أو كارهين لما ينزل بهم، حتى ظلالهم من طول وقصر حسب أوقات النهار فى الظهيرة وفى الأصيل خاضعة لأمر الله ونهيه.
١٦ - أمر الله نبيه أن يجادل المشركين هادياً مبيناً، فقال له: قل لهم - أيها النبى -: مَنْ الذى خلق السموات والأرض، وهو الحافظ لهما، والمسير لما فيهما؟ ثم بين لهم الجواب الصحيح الذى لا يحارون فيه، فقل لهم: هو الله المعبود بحق دون سواه، فكان حقا عليكم أن تعبدوه - وحده - ثم قل لهم: أفترون الأدلة المثبتة لإنشائه - وحده - كل شئ. وتتخذون مع ذلك أوثاناً تعتبرونها آلهة من غير أن تقروا بوحدانيته، وهذه الأوثان لا تملك لذاتها نفعاً ولا ضراً، فكيف تسوونها بالخالق المدبر، إنكم تسوون بين الخالق لكل شئ ومن لا يملك شيئاً! فكنتم كمن يسوى بين المتضادين، فهل يستوى من يبصر ومن لا يبصر؟ وهل تستوى الظلمة المتكاثفة الحالكة والنور المبين؟ أيسوغون تلك التسوية؟ أم ذهب بهم فرط ضلالهم إلى زعم أن أوثانهم شركاء له فى الخلق والتدبير، فتشابه عليهم أمر الخلق، كما ضلوا العبادة، قل لهم، أيها النبى: الله - وحده - هو الخالق لكل ما فى الوجود، وهو المتفرد بالخلق والعبادة، الغالب على كل شئ.
١٧ - وأن نعمه تعالى مرئية لكم، وأصنامكم لا تأثير لها فى هذه النعم، فهو الذى أنزل عليكم الأمطار من السحاب، فتسيل بها الأنهار والوديان كل بالمقدار الذى قدره الله تعالى لإنبات الزرع، وإثمار الشجر. والأنهار فى جريانها تحمل ما لا نفع فيه ويعلو على سطحها، فيكون فيها ما فيه نفع فيبقى، وما لا نفع فيه يذهب. ومثل ذلك الحق والباطل، فالأول يبقى والثانى يذهب، ومن المعادن التى يصهرونها بالنار ما يتخذون منها حلية كالذهب والفضة، ومنافع ينتفعون بها كالحديد والنحاس، ومنها ما لا نفع فيه يعلو السطح، وأن ما لا نفع فيه يرمى وينبذ، وما فيه النفع يبقى، كذلك الأمر فى العقائد ما هو ضلال يذهب، وما هو صدق يبقى. وبمثل هذا يبين الله سبحانه الحقائق، ويمثل بعضها ببعض لتكون كلها واضحة بينة.