٣٥ - الله مصدر النور فى السموات والأرض، فهو منورهما بكل نور حسى نراه ونسير فيه، وبكل نور معنوى، كنور الحق والعدل، والعلم والفضيلة، والهدى والإيمان، وبالشواهد والآثار التى أودعها مخلوقاته، وبكل ما يدل على وجود الله ويدعو إلى الإيمان به سبحانه، وَمَثلُ نوره العظيم وأدلته الباهرة فى الوضوح، كمثل نور مصباح شديد التوهج، وضع فى فجوة من حائط تساعد على تجميع نوره ووفرة إضاءته، وقد وضع المصباح فى قارورة صافية لامعة لمعان كوكب مشرق، يتلألأ كالدر ويستمد المصباح وقوده من زيت شجرة كثيرة البركات، طيبة التربة والموقع، هى شجرة الزيتون المغروسة فى مكان معتدل متوسط، فلا هى شرقية فتحرم حرارة الشمس آخر النهار، ولا هى غربية فتحرمها أول النهار، بل هى على قمة الجبل، أو فى فضاء الأرض تفيد من الشمس فى جميع أجزاء النهار، يكاد زيت هذه الشجرة لشدة صفائه يضئ، ولو لم تمسسه نار المصباح، فهذه العوامل كلها تزيد المصباح إضاءة فوق إضاءة، ونوراً على نور.
وهكذا تكون الشواهد المنبثة فى الكون حسيها ومعنويها آيات واضحة لا تدع مجالا للشك فى وجود الله، وفى وجوب الإيمان به وبرسالاته وما جاءت به. والله يوفق من يشاء إلى الإيمان عن طريقها، إذا حاول الانتفاع بنور عقله. وقد أتى الله بالأمثلة المحسوسة ليسهل إدراك الأمور المعقولة، وهو سبحانه واسع العلم، يعلم من نظر فى آياته، ومن أعرض واستكبر، ومجازيهم على ذلك.
٣٦ - إن هناك قوماً يُسبحون الله ويعبدونه فى المساجد التى أمر الله أن تبنى وتعظم وتُعمر بذكر الله، وهم يترددون عليها صباحا ومساء.
٣٧ - لا تشغلهم الدنيا بما فيها من بيع وشراء عن تذكر الله ومراقبته، فهم يقيمون الصلاة ويؤدون الزكاة خائفين من يوم القيامة الذى لا تستقر فيه القلوب من القلق والهم، وترقب المصير فيه وتلتفت فيه الأنظار فى حيرة ودهشة من غرابة المنظر وشدة الهول.
٣٨ - وستكون عاقبة عملهم مكافأة الله لهم أحسن مكافأة على أعمالهم الطيبة، وأن يتفضل عليهم بأكثر مما يستحقون، فهو سبحانه واسع الفضل يعطى من يشاء من عباده الصالحين عطاء كبيرا، لا يحاسبه عليه أحد ولا يستطيع العادُّون إحصاءه.


الصفحة التالية
Icon