هذه الجملة التي سمعناها الليلة متصلة بالبحث نفسه، قال (فمن سمِعَهُ-يعني القرآن- فَزَعَمَ أَنَّهُ كلامُ البشرِ، فَقَدْ كَفَرَ، وقد ذمَّهُ الله وعابَهُ وأوعَدهُ بسَقَر، حيث قال تعالى؟ سَأُصْلِيهِ سَقَرَ؟[المدثر: ٢٦]، فَلَمَّا أَوْعَدَ اللهُ بِسَقَرٍ لمنْ قال ؟إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ؟[المدثر: ٢٥]، عَلِمْنَا وأَيْقَنَّا أنه قولُ خالقِ البَشرِ، ولا يُشْبِهُ قولَ البشر، وَمَنْ وَصَفَ الله بِمعنَى مِنْ مَعاني البشر، فقدْ كَفَر، فمن أبْصَرَ هذا اعْتَبر، وعَنْ مِثْلِ قول الكفَّارِ انْزَجَر، وعَلِمَ أنَّه بصفاته ليسَ كالبشر.)
هذه الجمل مشتملة على تقرير مسألة عظيمة، وهي أن كلام الله جل وعلا لا يشبه قول البشر، وكيف يشبه قول البشر وهو كلام الباري جل وعلا الذي لا يشبه بصفاته البشر، فالبشر لهم صفاتهم في كلامهم وفي سمعهم وبصرهم وإدراكاتهم وأعضائهم، والله جل وعلا له صفات في كلامه وفي سمعه وبصره وجميع صفاته فلا يشبه في صفاته -التي منها كلامه- لا يشبه صفات البشر.
فمن قال عن القرآن إنه قول بشر، أو إنه مخلوق، أو هو قول جبريل، أو نحو ذلك، وليس بقول الله جل وعلا، أو أنه كلام جبريل وليس بكلام الله جل وعلا فإنّ هذا كافر بالله العظيم؛ لأن من قال إنّ القرآن كلام البشر فإن هذا كفر، كما قال سبحانه ؟إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ(٢٥)سَأُصْلِيهِ سَقَرَ؟[المدثر: ٢٥-٢٦] لقول الوليد.
إذا تبين لك ذلكن فإنهم قالوا أيضا -أي المشركون- قالوا: إنما يعلمه بشر. كما قال سبحانه ؟وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ؟[النحل: ١٠٣]، فالذين أبوا هداية القرآن وأبوا الإذعان له وصفوا القرآن بصفات:
قال بعضهم: هو كِهانة.
وقال بعضهم: هو شعر.
وقال بعضهم: هو قول بشر.
وقال بعضهم: أساطير الأولين.