وهذا ليس بجيد؛ لأن القرآن اسم للألفاظ والمعاني، والله جل وعلا تحدى أن يؤتى بمثل هذا القرآن، أو بمثل عشر سور مثله مفتريات -كما زعموا- وهذه المثلية إنما هي باللفظ وبالمعنى جميعا وبصورة الكلام المتركبة.
فإذن وكونه معجزا بألفاظه نعم لكن ليس وجه الإعجاز الألفاظ وحدها.
القول الثالث: من قال إنّ الإعجاز في المعاني وأما الألفاظ فهي على قارعة الطريق، مثل ما يقول الجاحظ وغيره؛ يعني فيما ساقه في كتاب الحيوان يقول: الشأن في المعاني أما الألفاظ فهي ملقاة قارعة الطريق. يعني أنّ الألفاظ يتداولها الناس؛ لكن الشأن في الدلالة بالألفاظ على المعاني، وهذا لاشك أنه قصور لأن القرآن معجز بألفاظه وبمعانيه وبصورته العامة كما سيأتي في وق من القوال الآتية.(١)
القول الرابع: من قال إن القرآن معجز في نظمه، ومعنى النظم الألفاظ المتركبة والمعاني التي دلت عليها الألفاظ وما بينها من الروابط؛ يعني أن الكلام يحتاج فيه إلى أشياء، يحتاج فيه على ألفاظ وإلى معانٍ في داخل هذه الألفاظ يعبر بها، يعبر بالألفاظ عن المعاني وإلى رابط يربط بين هذه الألفاظ والمعاني بصور بلاغية، وفي صور نحوية عالية، وهذا المجموع سماه أصحاب هذا القول النَّظم.
وهذا هو مدرسة الجُرجاني المعروفة العلامة عبد القادر الجرجاني فيما كتب في دلائل الإعجاز وفي أسرار البلاغة، وهذا القول لما قال به الجرجاني وهو مسبوق إليه من جهة الخطّابي وغيره يعني في كلمة، هو أراد به الرد على عبد الجبار المعتزلي في كتابه المغني، فإنه ألف كتاب المغني وجعل مجلدا كاملا في إعجاز القرآن، وردّ عليه بكتاب دلائل الإعجاز وأن الإعجاز راجع إلى اللفظ والمعنى والروابط؛ يعني إلى النظم نظم القرآن جميعا، المقصود بالنظم يعني تآلف الألفاظ والجمل مع دلالات المعاني البلاغية واللفظية وما بينها من صلات نحوية عالية.