فإذن المخلوق البشر في كلامه متباين إذا رأيت كلام الإمام أحمد تقول هذا ليس كلام ابن تيمية، ترى كلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب في تقريره تقول هذا ليس بكلام مثلا النووي، إذا رأيت كلام الإمام أحمد تقول هذا ليس كلام أبي حنيفة وهكذا.
فإذن الكلام له صورة له هيئة من سمعها ميز هذا الكلام، وهذا هو الذي أشار إليه الطحاوي بأنّ كلام الله جل وعلا لا يشبه كلام البشر.
إذا تبين ذلك فإن كلام الله جل وعلا صفته، فهذا القرآن من سمعه أيقن بأنه ليس بكلام البشر، ولهذا بعض الأدباء الغواة مثل ابن المقفع والمعري ونحو ذلك أرادوا معارضة القرآن بصورة أدبية فظهر؛ بل افتضحوا في ذلك فغيروا منحاهم إلى منحى التأثير إلى ما أشبه ذلك في كتبهم المعروفة وهي مطبوعة، أرادوا المعارضة من جهة المعاني من جهة الألفاظ أن يأتوا شيء لكن افتضحوا لأن كلام البشر لا يمكن أن يكون مثل كلام الله جل وعلا.
العرب عندهم معرفة بالبيان هم الغاية في البيان، هم الغاية في معرفة الفصاحة هم الغاية في معرفة تركيب الكلام؛ لكنهم لما سمعوا القرآن ما استطاعوا أن يعارضوه لم؟ لأنّ الكلام لا يشبه الكلام، لا يمكن، لا يمكن أن يعارضوا؛ لأن كلام الله جل وعلا لا يشبه كلام المخلوق.
إذا تبين لك ذلك، فنقول إذن: ما نقرره هو أنّ وجه الإعجاز في كلام الله جل وعلا هو أن كلام الله سبحانه وتعالى لا يشبه كلام البشر، ولا يماثل كلام البشر، وأن البشر لا يمكن أن يقولوا شيئا يماثل صفة الله جل وعلا، والناس لا يستطيعون على اختلاف طبقاتهم وتنوِّع مشاربهم أن يتلقوا أعظم من هذا الكلام، وإلا فكلام الله جل وعلا في عظمته لو تحمّل البشر أعظم من القرآن لكانت الحجة أعظم؛ لكنهم لا يتحملون أكثر من هذا القرآن، لهذا تجد التفاسير من أول الزمان إلى الآن وكل واحد يُخرج من عجائب القرآن ما يُخرج، والقرآن كنوزه لا تنفذ ولا يفتر على كثرة الرد لا من جهة التِّلاوة ولا من جهة التفسير.


الصفحة التالية
Icon