أولا: القرآن كلام الله جل وعلا، واشتمل القرآن على ألفاظ العرب جميعا، تجد القرآن فيه كلامات بلغة قريش، وفيه كلامات بلغة هذيل، وفيه كلمات بلغة تميم، وفيه كلمات بلغة هوازن، وفيه كلمات بلغة أهل اليمن، وفيه بلغات كثيرة بلغة حِمْيَر، ؟وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ؟[النجم: ٦١]، قال ابن عباس: السمود الغناء بلغة حمير.
بعض قريش خفي عليها بعض الكلمات مثل ما قال عمر رضي الله عنه لما تلا سورة النحل في يوم الجمعة -يعني في الخطبة-، تلا سورة النحل فوقف عند قوله تعالى ؟أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ؟[النحل: ٤٧]، نظر فقال: ما التخوف؟ فسكت الحاضرون، فقام رجل من هذيل فقال: يا أمير المؤمنين التخوّف في لغتنا التَّنَقُّص قال شاعرنا أبو كبير الهذلي:
تخوّف الرَّحْلُ منها تامكا فردا كما تَخَوَّف عودُ النّبعة السَّفِنُ
تنقص، يعني (أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ) يعني يبدأ يتنقص شيئا فشيئا، ينقصون عما كانوا فيه من النعمة شيئا فشيئا، حتى يأتيهم الأجل، عمر القرشي خفيت عليه هذه الكلمة؛ لأنها بلغة أخرى.
هل يستطيع أحد من العرب أن يحيط بلغة العرب جميعا؟ لا يمكن، أن يحيط بلغة العرب جميعا بألفاظتها وتفاصيلها؟ لا يمكن، ولهذا تجد في القرآن الكلمة بلغة مختلفة، وتجد فيه التركيب النحوي بلغة من لغات العرب، فيكون مثلا على لغة حمير في النحو، أو على لغة [سدوس] في النحو، أو أعلى لغة هذيل في النحو.
فإذن الألفاظ والمعاني والتراكيب النحوية والبرهان تنوَّعت ودخلت كل لغات في العرب، هذا لا يمكن أن يكون من كلام أحد، لا يمكن أن يحيط هذه الإحاطة إلا من خلق الخلق وهو رب العالمين.


الصفحة التالية
Icon