فكيف إذن بأنواع الأنفس المختلفة، هذا الذي يصلح له الترغيب، وهذا الذي يصلح له الترهيب، وهذا الذي يصلح له وصف الجنة، وهذا الذي ينشأ عنده الإيمان بالحب وإلى آخره، وذلك الذي ينشأ عنده الإيمان بالجهاد، ونحو ذلك، تنوع الأنفس وخطاب القرآن للناس جميعا على تنوع أنفسهم هذا دليل ثانٍ على أن القرآن له سلطان على النفوس.
أيضا تجد أن القرآن خُوطب به من عنده فن الشعر وما يسميه بعض الناس موسيقى الكلام؛ يعني رنات الكلام، بعض الناس عندهم شفافية بالتأثر باللحن، بالرنات، بالصعود والنزول في نغمة الكلام، هذا أيضا هذا النوع من الناس تجد في القرآن ما يجبره على أن يستسلم له.
لَبيد بن رَبيعة صاحب معلقة وصاحب ديوان مشهور، قيل له: ألا تنشدنا من قصائدك، لم وقفت عن الشعر؟ قال أغناني عن الشعر وتذوقه -أو كما قال- سورتا البقرة وآل عمران؛ لأن هذا الشيء هو له تذوق في هذا الفن بخصوصه، فيأتي القرآن فيجعل سلطانه على النفس فيقصره قصرا، لهذا قال جل وعلا ؟وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ(٤١)لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ؟[فصلت: ٤١-٤٢]، وقال سبحانه ؟وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ءَاعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ؟[فصلت: ٤٤].