وانتصاب قسوة على التمييز، وهو من حيث المعنى تقتضيه الكاف ويقتضيه أفعل التفضيل، لأن كلا منهما ينتصب عنه التمييز، تقول: زيد كعمرو حلماً، وهذا التمييز منتصب بعد أفعل التفضيل، منقول من المبتدأ، وهو نقل غريب، فتؤخر هذا التمييز وتقيم ما كان مضافاً إليه مقامه. تقول: زيد أحسن وجهاً من عمرو، وتقديره: وجه زيد أحسن من وجه عمرو، فأخرت وجهاً وأقمت ما كان مضافاً مقامه، فارتفع بالابتداء، كما كان وجه مبتدأ، ولما تأخر أدى إلى حذف وجه من قولك: من وجه عمرو، وإقامة عمرو مقامه، فقلت: من عمرو، وإنما كان الأصل ذلك، لأن المتصف بزيادة الحسن حقيقة ليس الرجل إنما هو الوجه، ونظير هذا: مررت بالرجل الحسن الوجه، أو الوجه أصل هذا الرفع، لأن المتصف بالحسن حقيقة ليس هو الرجل إنما هو الوجه، وإنما أوضحنا هذا، لأن ذكر مجيء التمييز منقولاً من المبتدأ غريب، وأفرد أشدّ، وإن كانت خبراً عن جمع، لأن استعمالها عنا هو بمن، لكنها حذفت، وهو مكان حسن حذفها، إذ وقع أفعل التفضيل خبراً عن المبتدأ وعطف، أو أشد، على قوله: كالحجارة، فهو عطف خبر على خبر من قبيل عطف المفرد، كما تقول: زيد على سفر، أو مقيم، فالضمير الذي في أشدّ عائد على القلوب، ولا حاجة إلى ما أجازه الزمخشري من أن ارتفاعه يحتمل وجهين آخرين: أحدهما: أن يكون التقدير: أو هي أشدّ قسوة، فيصير من عطف الجمل. والثاني: أن يكون، التقدير: أو مثل أشدّ، فحذف مثل وأقيم أشدّ مقامه، ويكون الضمير في أشدّ إذ ذاك غير عائد على القلوب، إذ كان الأصل أو مثل شيء أشدّ قسوة من الحجارة، فالضمير في أشدّ عائد على ذلك الموصوف بأشدّ المحذوف. ويعضد هذا الاحتمال الثاني قراءة الأعمش، بنصب الدال عطفاً على، كالحجارة، قاله الزمخشري. وينبغي أن لا يصار إلى هذا إلا في هذه القراءة خاصة. وأما على قراءة الرفع، فلها التوجيه السابق الذي ذكرناه، ولا إضمار فيه، فكان أرجح.