إنما ذلك على سبيل بعض الأحوال لا الإخبار. فإذا جعلت في ظلمات في موضع الحال كان قد فهم منها أن من هو في ظلمة لا يبصر، فلا يكون في قوله لا يبصرون من الفائدة إلا التوكيد، وذلك لا يجوز في الإخبار. ألا ترى إلى تخريج النحويين قول امرىء القيس:
إذا ما بكى من خلفها انحرفت له
بشق وشق عندنا لم يحول
على أن وشق مبتدأ وعندنا في موضع الخبر، ولم يحول جملة حالية أفادت التأكيد، وجاز الابتداء بالنكرة لأنه موضع الخبر، لأنه يؤدي إلى مجيء الخبر مؤكداً، لأن نفي التحويل مفهوم من كون الشق عنده، فإذا استقر عنده ثبت أنه لم يحول عنه.
قرأ الجمهور: ﴿صم بكم عمي﴾، بالرفع وهو على إضمار مبتدأ تقديره هم صم، وهي أخبار متباينة في اللفظ والدلالة الوضعية، لكنها في موضع خبر واحد.
وقرأ عبد الله بن مسعود، وحفصة أم المؤمنين: صماً بكماً عمياً، بالنصب، وذكروا في نصبه وجوهاً: أحدها: أن يكون مفعولاً ثانياً لترك، ويكون في ظلمات متعلقاً بتركهم، أو في موضع الحال، ولا يبصرون. حال. الثاني: أن يكون منصوباً على الحال من المفعول في تركهم، على أن تكون لا تتعدى إلى مفعولين، أو تكون تعدت إليهما وقد أخذتهما. الثالث: أن يكون منصوباً بفعل محذوف تقديره: أعني. الرابع: أن يكون منصوباً على الحال من الضمير في يبصرون، وفي ذلك نظر. الخامس: أن يكون منصوباً على الذم، صماً بكماً، فيكون كقول النابغة:
أقارع عوف لا أحاول غيرها
وجوه قرود تبتغي من تخادع