﴿فَإِنْ ءَانَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً﴾ وحتى هنا غاية للابتلاء، ودخلت على الشرط وهو: إذاً، وجوابه: فإن آنستم، وجوابه وجواب إن آنستم: فادفعوا. وإيناس الرشد مترتب على بلوغ النكاح، فيلزم أن يكون بعده. وحتى إذا دخلت على الشرط لا تكون عاملة، بل هي التي تقع بعدها الجمل كقوله:
وحتى الجياد ما يقدن بأرسان
وقوله:
وحتى ماء دجلة أشكل
على أن في هذه المسألة خلافاً ذهب الزّجاج وابن درستويه إلى أن الجملة في موضع جر، وذهب الجمهور إلى أنها غير عاملة البتة. وفي قوله: بلغوا النكاح تقدير محذوف وهو: بلغوا حد النكاح أو وقته. وقال ابن عباس: معنى آنستم عرفتم. وقال عطاء: رأيتم. وقال الفراء: وجدتم. وقال الزجاج: علمتم. وهذه الأقوال متقاربة.
وقرأ ابن مسعود: فإن أحستم، يريد أحسستم. فحذف عين الكلمة، وهذا الحذف شذوذ لم يرد إلا في أليفاظ يسيرة. وحكى غير سيبويه: أنها لغة سليم، وأنها تطرد في عين كل فعل مضاعف اتصل بتاء الضمير أو نونه.
﴿وَلاَ تَأْكُلُوهَآ إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ﴾ وانتصب إسرافاً وبداراً على أنهما مصدران في موضع الحال، أي: مسرفين ومبادرين. والبدار مصدر بادر، وهو من باب المفاعلة التي تكون بين اثنين. لأن اليتيم مبادر إلى الكبر، والولي مبادر إلى خذ ماله، فكأنهما مستبقان. ويجوز أن يكون من واحد، وأجيز أن ينتصبا على المفعول من أجله، أي: لإسرافكم ومبادرتكم. وإن يكبروا مفعول بالمصدر، أي: كبركم كقوله: ﴿أو إطعام يتيماً﴾ وفي إعمال المصدر المنوّن خلاف. وقيل: التقدير مخافة أن يكبروا، فيكون أن يكبروا مفعولاً من أجله، ومفعول بداراً محذوف.


الصفحة التالية
Icon