وقيل: في الآية تقديم وتأخير، تقديره: ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء أنه كان فاحشة ومقتاً وساء سبيلاً إلا ما قد سلف، وهذا جهل بعلم النحو، وعلم المعاني. أما من حيث علم النحو فما كان في حيز أن لا يتقدم عليها، وكذلك المستثنى لا يتقدم على الجملة التي هو من متعلقاتها بالاتصال أو الانقطاع، وإن كان في هذا خلاف ولا يلتفت إليه. وأما من حيث المعنى فإنه أخبر أنه فاحشة ومقت في الزمان الماضي، فلا يصح أن يستثنى منه الماضي، إذ يصير المعنى هو فاحشة في الزمان الماضي، إلا ما وقع منه في الزمان الماضي فليس بفاحشة، وهذا معنى لا يمكن أن يقع في القرآن، ولا في كلام عربي لتهافته.
﴿إِنَّهُ كَانَ فَحِشَةً وَمَقْتاً وَسَآءَ سَبِيلاً﴾ كان بمعنى لم يزل.
وقال المبرد: هي زائدة. ورد عليه بوجود الخبر، إذ الزائدة لا خبر لها. وينبغي أن يتأول كلامه على أنَّ كان لا يراد بها تقييد الخبر بالزمن الماضي فقط، فجعلها زائدة بهذا الاعتبار.
وساء سبيلاً هذه مبالغة في الذم، كما يبالغ ببئس. فان كان فيها ضمير يعود على ما عاد عليه ضمير إنّه، فإنها لا تجري عليها أحكام بئس. وانْ الضمير فيها مبهماً كما يزعم أهل البصرة فتفسيره سبيلاً، ويكون المخصوص بالذم اذ ذاك محذوفاً التقدير: وبئس سبيلاً سبيل هذا النكاح، كما جاء بئس الشراب أي: ذلك الماء الذي كالمهل.


الصفحة التالية
Icon