﴿حَفِظَتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ﴾ والألف واللام في الغيب تغني عن الضمير، والاستغناء بها كثير كقوله: ﴿واشتعل الرأس شيباً﴾ أي رأسي. وقال ذو الرّمة:
لمياء في شفتيها حوّة لعس
وفي اللثات وفي أنيابها شنب
تريد: وفي لثاتها.
وقرأ الجمهور: برفع الجلالة، وما تكون مصدرية ويجوز أن تكون موصولة وقال أبو البقاء يجوز أن تكون ما نكرة موصوفة.
وقرأ أبو جعفر بن القعقاع: بنصب الجلالة فالظاهر أنَّ ما بمعنى الذي، وفي حفظ ضمير يعود على ما مرفوع أي: بالطاعة والبر الذي حفظ الله في امتثال أمره. وقيل: التقدير بالأمر الذي حفظ حق الله وأمانته، وهو التعفف والتحصن والشفقة على الرجال والنصيحة لهم. وقدره ابن جني: بما حفظ دين الله، أو أمر الله. وحذف المضاف متعين تقديره: لأن الذات المقدسة لا ينسب إليها أنها يحفظها أحد. وقيل: ما مصدرية، وفي حفظ ضمير مرفوع تقديره: بما حفظن الله، وهو عائد على الصالحات. قيل: وحذف ذلك الضمير، وفي حذفه قبح لا يجوز إلا في الشعر كما قال: فإن الحوادث أودي بها.
يريد: أو دين بها. والمعنى: يحفظن الله في أمره حين امتثلته. والأحسن في هذا أن لا يقال أنه حذف الضمير، بل يقال: إنه عاد الضمير عليهن مفرداً، كأنه لوحظ الجنس، وكأن الصالحات في معنى من صلح، وهذا كله توجيه شذوذ أدّى إليه قول من قال في هذه القراءة: إنّ ما مصدرية. ولا حاجة إلى هذا القول، بل ينزه القرآن عنه.
﴿فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً﴾ انتصاب سبيلاً على اسقاط الخافض.
﴿وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَلِدَيْنِ إِحْسَناً﴾ وقرأ ابن أبي عبلة: وبالوالدين إحسان بالرفع، وهومبتدأ أو خبر فيه ما في المنصوب من معنى الأمر، وإن كان جملة خبرية نحو قوله:
فصبر جميل فكلانا مبتلي