خطيب الري على سيبويه وقال عنه ما لم يقله فقال: الذي ذهب إليه سيبويه ليس بشيء، ويدل على فساده وجوه: الأول: أنه طعن في القراءة المنقولة بالمتواتر عن الرسول، وعن أعلام الأمة، وذلك باطل قطعاً. (قلت): هذا تقول على سيبويه، وقلة فهم عنه، ولم يطعن سيبويه على قراءة الرفع، بل وجهها التوجيه المذكور، وأفهم أنّ المسألة ليست من باب الاشتغال المبني على جواز الاتبداء فيه، وكون جملة الأمر خبره، أو لم ينصب الاسم، إذ لو كانت منه لكان النصب أوجه كما كان في زيداً أضربه على ما تقرر في كلام العرب، فكون جمهور القراء عدلوا إلى الرفع دليل على أنهم لم يجعلوا الرفع فيه على الابتداء المخبر عنه بفعل الأمر، لأنه لا يجوز ذلك لأجل الفاء. فقوله: أبت العامة إلا الرفع تقوية لتخريجه، وتوهين للنصب على الاشتغال المرجح على الابتداء في مثل هذا التركيب لا يجوز، إلا إذا جاز أن يكون مبتدأ مخبراً عنه بالفعل الذي يفسر العامل في الاشتغال، وهنا لا يجوز ذلك لأجل الفاء الداخلة على الخبر، فكان ينبغي أن لا يجوز النصب. فمعنى كلام سيبويه يقوي الرفع على ما ذكر، فكيف يكون طاعناً في الرفع؟ وقد قال سيبويه: وقد يحسن ويستقيم: عبد الله فاضربه، إذا كان مبنياً على مبتدأ مضمر أو مظهر، فأما في المظهر فقولك: هذا زيد فاضربه، وإن شئت لم تظهر هذا ويعمل عمله إذا كان مظهراً وذلك قولك: الهلال والله فانظر إليه، فكأنك قلت: هذا الهلال ثم جئت بالأمر. ومن ذلك قول الشاعر:
وقائلة خولان فانكح فتاتهم
واكرومة الحيين خلو كما هيا
هكذا سمع من العرب تنشده انتهى. فإذا كان سيبويه يقول: وقد يحسن ويستقيم. عبد الله فاضربه، فكيف يكون طاعناً في الرفع، وهو يقول: أنه يحسن ويستقيم؟ لكنه جوزه على أنّ يكون المرفوع مبتدأ محذوف الخبر، كما تأوله في السارق والسارقة، أو خبر مبتدأ محذوف كقوله: الهلال والله فانظر إليه.