وأجاز الزمخشري أن ينتصب هدى وموعظة على أنهما مفعول لهما لقوله: وليحكم. قال: كأنه قيل: وللهدي والموعظة آتيناه الإنجيل، وللحكم بما أنزل الله فيه من الأحكام. وينبغي أن يكون الهدي والموعظة مسندين في المعنى إلى الله، لا إلى الإنجيل، ليتحد المفعول من أجله مع العامل في الفاعل، ولذلك جاء منصوباً. ولما كان: وليحكم، فاعله غير الله، أتى معدي إليه بلام العلة. ولاختلاف الزمان أيضاً، لأن الإيتاء قارن الهداية والموعظة في الزمان، والحكم خالف فيه لاستقباله ومضيه في الإيتاء، فعدى أيضاً لذلك باللام، وهذا الذي أجازه الزمخشري خلاف الظاهر. قال الزمخشري: فإن نظمت هدى وموعظة في سلك مصدّقاً فما تصنع بقوله: وليحكم؟ (قلت): أصنع به كما صنعت بهدى وموعظة، حين جعلتهما مفعولاً لهما، فأقدر: ليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله آتيناه إياه انتهى. وهو جواب واضح.
﴿وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ﴾ وقرأ الجمهور: وليحكم بلام الأمر ساكنة، وبعض القراء يكسرها. وقرأ أبيّ: وأن ليحكم بزيادة أن قبل لام كي، وتقدّم كلام الزمخشري فيما يتعلق به. وقال ابن عطية: والمعنى وآتيناه الإنجيل ليتضمن الهدى والنور والتصديق، وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه انتهى. فعطف وليحكم على توهم علة ولذلك قال: ليتضمن الهدى. والزمخشري جعله معطوفاً على هدى وموعظة، على توهم النطق باللام فيهما كأنه قال: وللهدي والموعظة وللحكم أي: جعله مقطوعاً مما قبله، وقدر العامل مؤخراً أي: وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه آتيناه إياه. وقول الزمخشري أقرب إلى الصواب، لأن الهدي الأول والنور والتصديق لم يؤت بها على سبيل العلة، إنما جيء بقوله: فيه هدى ونور، على معنى كائناً فيه ذلك ومصدقاً، وهذا معنى الحال، والحال لا يكون علة. فقول ابن عطية: ليتضمن كيت وكيت، وليحكم، بعيد.