﴿وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَآءَ مَا يَعْمَلُونَ﴾ هذا تنويع في التفصيل. فالجملة الأولى جاءت منهم أمة مقتصدة، جاء الخبر الجار والمجرور، والخبر الجملة من قوله: ساء ما يعملون، وبين التركيبين تفاوت غريب من حيث المعنى. وذلك أن الاقتصاد جعل وصفاً، والوصف ألزم للموصوف من الخبر، فأتى بالوصف اللازم في الطائفة الممدوحة، وأخبر عنها بقوله: منهم، والخبر ليس من شأنه اللزوم ولا سيما هنا، فأخبر عنهم بأنهم من أهل الكتاب في الأصل، ثم قد تزول هذه النسبة بالإسلام فيكون التعبير عنهم والإخبار بأنهم منهم، باعتبار الحالة الماضية. وأما في الجملة الثانية فإنهم منهم حقيقة لأنهم كفار، فجاء الوصف بالإلزام، ولم يجعل خبراً، وجعل خبر الجملة التي هي ساء ما يعملون، لأن الخبر ليس من شأنه اللزوم، فهم بصدد أن يسلم ناس منهم فيزول عنهم الإخبار بمضمون هذه الجملة، واختار الزمخشري في ساء أن تكون التي لا تنصرف، فإن فيه التعجب كأنه قيل: ما أسوأ عملهم ولم يذكر غير هذا الوجه. واختار ابن عطية أن تكون المتصرفة تقول: ساء الأمر يسوء، وأجاز أن تكون غير المتصرفة فتستعمل استعمال نعم وبئس كقوله: ساء مثلاً. فالمتصرفة تحتاج إلى تقدير مفعول أي ساء ما كانوا يعملون بالمؤمنين، وغير المتصرفة تحتاج إلى تمييز أي: ساء عملاً ما كانوا يعملون.


الصفحة التالية
Icon