فلاعياً بهنّ ولا اجتلابا التقدير: تسريحي القوافي، ويكون إذ ذاك على حذف مضاف، أي: نذر تحرير، أو على أنه مصدر من معنى: نذرت، لأن معنى: ﴿نذرت لك ما في بطني﴾ حررت لك بالنذر ما في بطني. والظاهر القول الأول، وهو أن يكون حالاً من: ما، ويكون، إذ ذاك حالاً مقدّرة إن كان المراد بقوله: محرراً، خادماً للكنيسة، وحالاً مصاحبة إن كان المراد عتيقاً، لأن عتق ما في البطن يجوز.
﴿قَالَتْ رَبِّ إِنِّى وَضَعْتُهَآ أُنثَى﴾ وقال الزمخشري: فإ قلت: كيف جاز انتصاب أنثى حالاً من الضمير في وضعتها؛ وهو كقولك: وضعت الأنثى أنثى؟.
قلت: الأصل وضعته أنثى، وإنما أنث لتأنيث الحال لأن الحال، وذا الحال شيء واحد، كما أنث الأسم في من كانت أمّك لتأنيث الخبر، ونظيره قوله تعالى: ﴿فإن كانتا اثنتين﴾. إنتهى. وآل قوله إلى أن: أنثى، تكون حالاً مؤكدة، لا يخرجه تأنيثه لتأنيث الحال من أن يكون الحال مؤكدة. وأما تشبيهه ذلك بقوله: من كانت أمّك، حيث عاد الضمير على معنى: من، فليس ذلك نظير: وضعتها أنثى، لأن ذلك حمل على معنى: من، إذا المعنى: أية امرأة، كانت امّك، أي: كانت هي أيّ المرأة أمّك، فالتأنيث ليس لتأنيث الخبر، وإنما هو من باب الحمل على معنى: من، ولو فرضنا أنه تأنيث للأسم لتأنيث الخبر لم يكن نظير: وضعتها أنثى، لأن الخبر مخصص بالإضافة إلى الضمير، فقد استفيد من الخبر ما لا يستفاد من الاسم بخلاف أنثى، فإنه لمجرد التأكيد.
وأما تنظيره بقوله: ﴿فإن كانتا اثنتين﴾ فيعنى أنه ثنى بالأسم لتثنية الخبر، والكلام عليه يأتي في مكانه، فإنه من المشكلات، فالأحسن أن يجعل الضمير في: وضعتها أنثى، عائداً على النسمة، أو النفس، فتكون الحال مبنية لا مؤكدة.
﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ﴾ و: ما، موصولة بمعنى: الذي، أو: التي، وأتى بلفظ: ما، كما في قوله: ﴿نذرت لك ما في بطني﴾ والعائد عليها محذوف على كل قراءة.


الصفحة التالية
Icon