وقرأ مجاهد وابن محيصن وأبو عمرو وابن كثير ﴿يغشاكم النعاس﴾ مضارع غشى و﴿النعاس﴾ رفع به، وقرأ الأعرج وابن نصاح وأبو حفص ونافع يغشيكم مضارع أغشى، وقرأ عروة بن الزبير ومجاهد والحسن وعكرمة وأبو رجاء وابن عامر والكوفيون يغشيكم مضارع غشى و﴿النعاس﴾ في هاتين القراءتين منصوب والفاعل ضمير الله وناسبت قراءة نافع قوله ﴿يغشى طائفة منكم﴾ وقراءة الباقين وينزل حيث لم يختلف الفاعل ومعنى يغشيكم يعطيكم به وهو استعارة جعل ما غلب عليهم من النعاس غشياناً لهم، وتقدم شرح ﴿النعاس وأمنة﴾ في آل عمران والضمير في ﴿منه﴾ عائد على الله وانتصب ﴿أمنة﴾، قيل على المصدر أي فأمنتم أمنة والأظهر أنه انتصب على أنه مفعول له في قراءة يغشيكم لاتحاد الفاعل لأنّ المغشى والمؤمن هو الله تعالى، وأما على قراءة ﴿يغشاكم﴾ فالفاعل مختلف إذ فاعل ﴿يغشاكم﴾ هو ﴿النعاس﴾ والمؤمن هو الله وفي جواز مجيء المفعول له مع اختلاف الفاعل خلاف، وقال الزمخشري، (فإن قلت): أما وجب أن يكون فاعل الفعل المعلل والعلة واحداً، قلت بلى ولكن لما كان معنى ﴿يغشاكم النعاس﴾ تتغشون انتصب ﴿أمنة﴾ على أن النعاس والأمنة لهم والمعنى إذ تتغشون أمنة بمعنى أمنا أي لأمنكم و﴿منه﴾ صفة لها أي ﴿أمنة﴾ حاصلة لكم من الله تعالى، (فإن قلت): هل يجوز أن ينتصب على أن الأمنة للنعاس الذي هو ﴿يغشاكم﴾ أي يغشاكم النعاس لأمنه على أنّ إسناد الأمن إلى النعاس إسناد مجازي وهو لأصحاب النعاس على الحقيقة أو على أنه إمامكم في وقته كان من حق النعاس في ذلك الوقت المخوف أن لا يقدم على غثيابنكم وإنما غشاكم أمنة حاصلة من الله تعالى لولاها لم يغشاكم على طريقة التمثيل والتخييل، (قلتلله: لا تتعدى فصاحة القرآن عن احتماله وله فيه نظائر ولقد ألمّ به من قال:
يهاب النوم أن يغشى عيوناً