قال ابن عطية: هذا التأويل يردّه أن العرب كانت في وقت نزول هذه الآية كافرة إلا القليل ولم تترتب الأحوال التي ذكر هذا المتأول وإنما كان يمكن أن يخاطب العرب بهذه الآية في آخر زمان عمر رضي الله عنه فإن تمثّل أحد بهذه الآية بحال العرب فتمثيله صحيح وإما أن يكون حالة العرب هي سبب نزول الآية فبعيد لما ذكرناه انتهى، وهذه الآية تعديل لنعمه تعالى عليهم، قال الزمخشري: إذ أنتموَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِى الأٌّرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} نصب على أنه مفعول به لاذكروا ظرف أي ﴿اذكروا﴾ وقت كونكم أقِلّة أذِلّة انتهى، وفيه التصرّف في ﴿إذ﴾ بنصبها مفعولة وهي من الظروف التي لا تتصرّف إلا بأن أضيف إليها الأزمان، وقال ابن عطية: وإذ ﴿ظرف﴾ لمعمول ﴿واذكروا﴾ تقديره واذكروا حالكم الكائنة أو الثابتة إذ أنتم قليل ولا يجوز أن تكون ﴿إذ﴾ ظرفاً لاذكر وإنما تعمل اذكر في إذ لو قدّرناها مفعوله انتهى، وهو تخريج حسن. وقال الحوفي ﴿إذ أنتم﴾ ظرف العامل فيه ﴿اذكروا﴾ انتهى، وهذا لا يتأتى أصلاً لأنّ اذكر للمستقبل فلا يكون ظرفه إلا مستقبلاً وإذ ظرف ماضٍ يستحيل أن يقع فيه المستقبل ﴿ولعلكم تشكرون﴾ متعلق بقوله ﴿فآواكم﴾ وما بعده أي فعل هذا الإحسان لإرادة الشكر.
وأنتم تعلمونيأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَنَتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} جملة حالية أي وأنتم تعلمون تبعة ذلك ووباله فكان ذلك أبعد لكم من الوقوع في الخيانة.
وجوّزوا في ﴿وتخونوا﴾ أن يكون مجزوماً عطفاً على ﴿لا تخونوا﴾ ومنصوباً على جواب النهي وكونه مجزوماً هو الراجح لأن النصب يقتضي النهي عن الجمع والجزم يقتضي النهي عن كل واحد.


الصفحة التالية
Icon