وإذا تقدمت النكرة وذكرت بعد ذلك فالوجه أنْ تذكر بالضمير نحو: لقيت رجلاً فضربته. ويجوز أنْ يعاد اللفظ معرّفاً بل نحو: لقيت رجلاً فضربت الرجل، ولا يجوز أنْ يوصف بوصف يشعر بالمغايرة لو قلت: لقيت رجلاً فضربت الرجل الأزرق، وأنت تريد الرجل الذي لقيته، لم يجز بل ينصرف ذلك إلى غيره، ويكون المضروب غير الملقى. فإنْ وصفته بوصف لا يشعر بالمغايرة جاز نحو: لقيت رجلاً فضربت الرجل المذكور. وهنا جاء الأشهر الحرم، لأن هذا الوصف مفهوم من قوله: فسيحوا في الأرض أربعة أشهر، إذ التقدير أربعة أشهر حرم لا يتعرض إليكم فيها، فليس الحرم وصفاً مشعراً بالمغايرة. وقيل: الأشهر الحرم هي غير هذه الأربعة، وهي الأشهر التي حرم الله فيها القتال منذ خلق السموات والأرض، وهي التي جاء في الحديث فيها إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب فتكون الأربعة من سنتين.
قال الزمخشري: كل مرصد كل ممر ومجتاز ترصدونهم فيه، وانتصابه على الظرف كقوله: لأقعدن لهم صراطك المستقيمفَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} انتهى. وهذا الذي قاله الزجاج قال: كل مرصد ظرف، كقولك: ذهب مذهباً ورده أبو علي، لأنّ المرصد المكان الذي يرصد فيه العدوّ، فهو مكان مخصوص لا يحذف الحرف منه إلا سماعاً كما حكى سيبويه: دخلت البيت، وكما غسل الطريق الثعلب انتهى. وأقول: يصح انتصابه على الظرف، لأن قوله: «واقعدوا لهم» ليس معناه حقيقة القعود، بل المعنى ارصدوهم في كل مكان يرصد فيه، ولما كان بهذا المعنى جاز قياساً أن يحذف منه في كما قال: وقد قعدوا منها كل مقعد.