فأول راض سنه من يسيرها قال ابن عطية: وعلى هذا البيت اعتراض حتى لا يكونن شاهداً في هذا، وهو أن يكون الضمير كالظرف كما تقول: سرت الطريق انتهى. وما ذكره أبو علي لا يتعين، بل الظاهر أنّ التضعيف فيه للتعدية، لأنّ سار الرجل لازماً ما أكثر من سرت الرجل متعدياً فجعله ناشأ عن الأكثر أحسن من جعله ناشئاً عن الأقل. وأما جعل ابن عطية الضمير كالظرف قال كما تقول: سرت الطريق، فهذا لا يجوز عند الجمهور، لأن الطريق عندهم ظرف مختص كالدار والمسجد، فلا يصل إليه الفعل غيره. دخلت عند سيبويه، وانطلقت، وذهبت عند الفراء إلا بوساطة في إلا في ضرورة، وإذا كان كذلك فضميره أحرى أنْ لا يتعدى إليه الفعل. وإذا كان ضمير الظرف الذي يصل إليه الفعل بنفسه يصل إليه بوساطة في إلا إن اتسع فيه فلأن يكون الضمير الذي يصل الفعل إلى ظاهره بفي أولى أن يصل إليه الفعل بوساطة في. وزعم أبن الطراوة أن الطريق ظرف غير مختص، فيصل إليه الفعل يغر وساطة في، وهو زعم مردود في النحو.
والباء في بهم وبريح قال العكبري: تتعلق الباآن بجرين انتهى. والذي يظهر أنّ الباء في بهم متعلقة بجرين تعلقها بالمفعول نحو: مررت بزيد. وأنّ الباء في بريح يجوز أن تكون للمسبب، فاختلف المدلول في البائين، فجاز أن يتعلقا بفعل واحد، ويجوز أن تكون الباء للحال أي: وجرين بهم ملتبسة بريح طيبة، فتتعلق بمحذوف كما تقول: جاء زيد بثيابه أي ملتبساً بها. وفرحوا بها يحتمل أن يكون معطوفاً على قوله: وجرين بهم، ويحتمل أن يكون حالاً أي: وقد فرحوا بها. كما احتمل قوله: وجرين أن يكون معطوفاً على كنتم، وأن يكون حالاً. والظاهر أنّ قوله: جاءتها ريح عاصف، هو جواب إذا. والظاهر عود الضمير في جاءتها على الفلك، لأنه هو المحدث عنه في قوله: وجرين بهم، وقاله مقاتل. وجوزوا أن يعود على الريح الطيبة وقاله الفراء، وبدأ به الزمخشري. ومعنى طيب الريح لين هبوبها وكونها موافقة.


الصفحة التالية
Icon