وتقدّم في سورة الأنعام الكلام على ﴿أرأيتم﴾ مشبعاً، وذكرنا أن العرب تعديها إلى مفعولين: أحدهما منصوب، والثاني أغلب ما يكون جملة استفهامية. تقول: أرأيتك زيداً ما صنع، وليس استفهاماً حقيقياً عن الجملة. وأنّ العرب ضمنت هذه الجملة معنى أخبرني، وقررنا هناك أن قوله: ﴿أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله﴾ أنه من باب الأعمال تنازع على عذاب الله. أرأيتكم يطلبه منصوباً، وفعل الشرط يطلبه مرفوعاً، فأعمل الثاني، وهذا البحث يتقرر هنا أيضاً، فمفعول أرأيتكم محذوف والتقدير: أرأيتكم البينة من ربي إن كنت عليها أنلزمكموها؟ فهذه الجملة الاستفهامية في موضع المفعول الثاني لقوله: أرأيتم، وجواب الشرط محذوف يدل عليه أرأيتم، وجيء بالضميرين متصلين في أنلزمكموها، لتقدّم ضمير الخطاب على ضمير الغيبة، ولو انعكس لانفصل ضمير الخطاب خلافاً لمن أجاز الاتصال. قال الزمخشري: ويجوز أن يكون الثاني منفصلاً كقولك: أنلزمكم إياها ونحوه، فسيكفيكهم الله، ويجوز فسيكفيك إياهم، وهذا الذي قاله الزمخشري من جواز انفصال الضمير في نحو أنلزمكموها، هو نحو قول ابن مالك في التسهيل. قال: وتختار اتصال نحوها ءأعطيتكه. وقال ابن أبي الربيع: إذا قدمت ما له الرتبة اتصل لا غير، تقول: أعطيتكه. قال تعالى: أنلزمكموها؟ وفي كتاب سيبويه ما يشهد له، قال سيبويه: فإذا كان المفعولان اللذان تعدّى إليهما فعل الفاعل مخاطباً وغائباً، فبدأت بالمخاطب قبل الغائب، فإنّ علامة الغائب العلامة التي لا يقع موقعها إياه وذلك قولك: أعطيتكه وقد أعطاكه. قال الله تعالى: أنلزمكموها وأنتم لها كارهون، فهذا كهذا، إذا بدأت بالمخاطب قبل الغائب انتهى. فهذا نص من سيبويه على ما قاله ابن أبي الربيع خلافاً للزمخشري وابن مالك ومن سبقهما إلى القول بذلك. وقال الزمخشري: وحكى عن أبي عمرو إسكان الميم، ووجهه أنّ الحركة لم تكن إلا خلسة خفيفة، فظنها الراوي سكوناً. والإسكان الصريح لحن عند الخليل


الصفحة التالية
Icon